{ تختلط بعض المفاهيم عند المتلقي العربي، حين تكون المفردة فصيحة، وتتشابه في معانيها بينما هي مختلفة، ومثال ذلك الثقة بالنفس، أو الاعتداد والغرور، فكل اعتداد يسميه الناس غروراً، لكن الاعتداد أمر محبب بينما الغرور مكروه، وكذلك الغيرة والحسد، فالغيرة أمر محبب يجمل الحياة، بينما الحسد يزيد على الغيرة بالرغبة بزوال النعمة عند من نغار منه، وفي الجانب العاطفي تخلط المرأة غيرتها بشكها، فتساوى بين الغيرة والشك، فبينما الحبيب يفرح لغيرة من تحبه عليه، ويستاء من شكها فيه لمجرد أنه ابتسم لأمرأة ما. { لقد ارتبطت مفردة الغيرة بالحب، وسنبتعد عن الحب قليلاً ونتناول الغيرة كمحرض ودافع لنا، فحين نغار من موظف يبتسم طول النهار في وجه المراجعين، ولا يشعر أحد بملله من تكرار الأسئلة ويشعر السائل بأنه قد فوجئ بالسؤال المهم، فيعطيه الإجابة التي ترضيه حتى يشعر السائل بأنه قد أضاف معلومة للموظف وجهة العمل التي يعمل بها، مثل هذا الموظف يجب أن نغار منه، لأننا لا نستطيع أن نكون مثله. { دعونا إذن نغار من الناجحين في مجتمعاتنا، من الذين نتمنى أن نكون مثلهم، أو نتمنى أن يكون الآخرون مثلهم، نغار من معلمة أطفال يحمل الأطفال حبهم لها معهم في حقائبهم المدرسية، فحين يعودون إلى البيت تعود معهم، فتصبح كلماتها آسرة لعقول الأطفال، ونتمنى أن تكون كل المعلمات والمعلمين مثلها، مثل هذه المعلمة لا بد أن نغار منها، إذا قارناها مع مدرسة تمارس السادية على الأطفال وتمارس غضبها على المجتمع وعلى الأطفال. { لنغار معاً من مذيعة نشرة أخبار تقرأ وهي بكامل أناقتها أخبار القتل والدمار الذي يحدث في بلدها العربي، من دون أن تبين للمشاهد أنها حزينة ومنكوبة ومنكسرة ومقهورة ومحترقة مما يحدث في بلدها، تتحدث عن القتل والدمار والدماء والتفجيرات وكأنها تصف لنا مبارة في كرة القدم، وعلى الرغم من أن المسرح من خلفها قد تلون بالأحمر، وليس بالأخضر كما هي الحال بملاعب الكرة والصراخ الذي نسمعه لا يشبه صراخ جماهير الكرة، ونظرات الرعب التي نشاهدها بوجوه النساء والأطفال لا تشبه نظرات جماهير الكرة، على الرغم من ذلك التفاوت بالمشهدين، إلا أن هذه الزميلة تستحق غيرتنا منها لأنها لم تشوه علينا سهرتنا، إلى أن تودعنا بابتسامتها المتزنة الرائعة. { وأثناء كتابتي لهذا المقال عصراً، اتصل بي صديق، فشرحت له ما أكتب وسألته ممن يغار؟ فقال: منك أنت، ومن الشعراء عموماً، أغار لأنني لا أعرف من أين تأتون بمثل هذه الأفكار والناس صيام يفكرون في الإفطار، وأنا أتصل بك لأعزمك على الإفطار، وأنت تعزمني على أن يكون لي رأي في المقال، إنني يا صديقي أغار من الشعراء!! أ/ كريم معتوق { تلويح: سأغار.. أغار بحرماني.. إذ ضمك قبلي ديواني.. وأقول وصلت إلى يدها.. وأنا ما زلت بأحزاني.. أشتاق إليها يا شعري.. أخبرها وأكتب عنواني...