أصبحت هاجس الشباب، ففي كل عام تخرج الجامعات عدداً هائلاً من الطلاب إلى (الشارع) دون وجود خطط لاستيعابهم في العمل العام، وتزايد عدد الخريجين في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة مما حدا بمعظمهم مع سوء الوضع الاقتصادي في البلاد وضيق فرص العمل إلى العمل في أعمال أخرى لا تمت للدولة بصلة، فمنهم من يعمل سائق أمجاد أو حافلة وخلافه إلى جانب ذلك أصبحت الواسطة في القطاع الخاص أيضاً تمثل مشكلة وهاجساً للكثيرين. تظل هناك الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابة ومنها: هل مشاكل البطالة تتمثل في الواقع التعليمي أم غياب التخطيط الاستراتيجي في الكليات والنقص في التعليم الفني؟ وهل العمالة الأجنبية وهجر الكفاءات السودانية تعتبر من أهم مشاكل البطالة؟ وإلى أي مدى ساهم اعتماد الخصخصة وسياسات التحرير في تفاقم هذه المشكلة؟ كل هذه الأسئلة وأكثر سنجيب عليها من خلال هذا التحقيق، ولكن قبل ذلك هذه وقفة استطلاعية مع بعض الشباب: { إحباط وتساؤلات محمد محمود - خريج حاسوب وتقنية معلومات، تخرج في عام (2006) يقول: خارت قواي وأنا أبحث عن وظيفة، فقد باءت كل المحاولات بالفشل، فالواسطة تلعب دوراً كبيراً في هذه العطالة. ويؤكد الزين سعد - خريج، منذ سبعة أعوام، بأن العطالة أمر قاس جداً فنحن شباب أهدرت طاقاتنا في الجلوس تحت ظلال الأشجار والتسكع في الطرقات ولا نستطيع أن نجد وظيفة تتناسب ومؤهلنا العلمي ونتمنى أن نجد وظيفة. لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية. بهذه العبارة بدأ سعيد حسن - خريج، منذ عام 2005م حديثه قائلاً: لقد كدنا ننسى ما تعلمناه في الجامعات، فقد أصبحت عقولنا مسوسة بسبب التفكير في البحث عن وظائف عمل على الأقل تحفظ لنا ماء وجهنا وتجنبنا كلمة (يا عاطل). ويقول محمد عوض - خريج كلية الاقتصاد، إنه على استعداد للعمل في أي مجال ولكن (وين) على حد قوله، فهو يرى بأن كل المجالات والأبواب أغلقت في وجه الشباب وأن فرص العمل للبنات أصبحت متاحة بصورة أوسع. أما علي حسن - خريج، منذ عام 2000، فيقول: (يا ريتني لا دخلت الجامعة ولا قريت)، ويواصل قائلاً: لقد كنا قبل التخرج نحلم بحياة وردية مليئة بالآمال والطموحات والاستقرار ولكننا أفقنا على كابوس يسمى البحث عن عمل وإلا فسيطلقون عليك كلمة (عاطل)، وحتى أتجنب هذه الكلمة وبعد عامين من البحث فضلت العمل في هذه الحافلة حتى أستطيع العيش، ومن خلال (الأهرام اليوم) أود أن أبعث برسالة إلى كل الخريجين بأن الدراسة الجامعية أكبر أكذوبة). وأخيراً يرى أحمد حسن - خريج، أن الشاب الخريج الجامعي مظلوم وفرص العمل في البلاد غير متاحة له ويقول: أنا وجدت وظيفة لا بأس بها ولكنها لا ترضي طموحاتي، ولكن كما يقول المثل «عصفور في اليد ولا عشرة في الشجرة». { لجنة الاختيار إلى جانب ذلك توجهت (الأهرام اليوم) إلى مكتب لجنة الاختيار الاتحادية والتقت بالسيد كمال محمد أحمد أبو آمنة، نائب المدير العام، الذي بدأ حديثه معرفاً البطالة وما هو الفرق بينها وبين العطالة، مؤكداً أن البطالة هي قدرة الشخص على العمل ورغبته الأكيدة فيه ولكنه لم يجده، أما العطالة فمعناها تعطل الشخص عن العمل لعدم قدرته عليه، مؤكداً بالنسبة لبطالة الخريجين فإن العمل هو جزء من دولاب الاقتصاد ومرتبط بالنظرية الاقتصادية (العرض والطلب)، فالعرض هو الناتج عن التعليم العالي والطلب يعني حاجة سوق العمل، وهنا يكمن السؤال هل ناتج التعليم العالي هو حسب حاجة سوق العمل؟ ويواصل الأستاذ كمال حديثه قائلاً: إن الإجابة بالتأكيد (لا) وذلك لأننا الآن في النشاط الاقتصادي لا نمتلك إحصائية لسوق العمل في القطاعين (العام والخاص)، وسوق العمل يتحدد وفقاً للوظائف المتاحة من الوزارات والمصالح فهي تعطينا الصورة الواقعية ولكن ليست الحقيقية لأن مسألة التوظيف تُبنى على هياكل وظيفية والواقع الموجود على كل الخريجين وأن هناك عدم توازن بين الكليات. { الخلل وعدم التوازن وعن الخلل وعدم التوازن ما بين الكليات يؤكد الأستاذ كمال أن هناك كماً هائلاً من خريجي الدراسات النظرية (القانون - الآداب - الاقتصاد)، وأيضاً طلاب العلوم فهؤلاء أكثر فئة تعاني من البطالة لأن هذه الدراسات النظرية لا يحتاج إليها سوق العمل، فنحن نحتاج إلى الدراسات التطبيقية وأكثر الذين يعانون من البطالة هم خريجو كليتي الزراعة والعلوم. وعن دور القطاع الخاص في استيعاب عدد من الخريجين يقول إن دور القطاع الخاص في الاستيعاب ضعيف جداً لأنه لديه العديد من المشاكل مثل المشاكل الضريبية وغيرها، مؤكداً أن العمالة الأجنبية (مرغوب فيها) وذلك لأن العامل السوداني غير منتج. { الحلول وفي ذات السياق يؤكد السيد كمال أن الحلول تكمن في أن يكون الاتجاه في التعليم إلى التعليم الفني والتقني، ويجب التركيز على الأشياء الصغيرة والمنتجة والتطبيقية، كما يجب التركيز في العمل المنتج والذاتي وخلق ثقافة العمل الذاتي في المجتمع، ويجب على الشباب أن (يخلو الأفندية) وأيضاً يجب على الدولة أن تتحمل (التسويق) للمشاريع الصغيرة فهناك اشكاليات تواجه التمويل الأصغر. { إحصائية هذه إحصائية بالمسجلين والمستوعبين خلال الفترة من 2007م وحتى يونيو 2011م: { صندوق تشغيل الخريجين وأيضاً يؤكد محمد آدم حامد، من مركز الدراسات الاجتماعية، أن المركز يقوم بتقديم البحوث والدراسات في المجالات التي تخدم وزارة التنمية والبطالة أحد المشاكل المعنية، ويقوم المركز بدور استشاري نفسي. ويقول الأستاذ (محمد) إن صندوق تشغيل الخريجين بولاية الخرطوم هو ذراع من أذرع الوزارة ويعمل على إيجاد الفرص للخريجين ولديه آليات منها إنشاء حاضنات زراعية وحيوانية للخريجين الدارسين للزراعة، وقد تم استيعاب عدد من الخريجين (أكثر من 2500 خريج)، وأيضاً هناك الحاضنات الصناعية (الورش والحدادة) وقد ضمت عدداً من الخريجين، ويشير (محمد) إلى أن هذا الصندوق يعمل بصورة جيدة ولديه إنجازات أخرى، كما أن الوزارة تبذل أقصى جهدها وما فعلته فهو عمل مرضٍ. وأخيراً ينبه مركز الدراسات الاجتماعية إلى أن نسبة البطالة بلغت (15%) وقدرت الدراسة حجم البطالة في السودان في عام 2005 في حدود (11) مليون.