أطربني جداً استخدام هذا العنوان، أول الغيث تونس، من قبل أحد الكتاب الكويتيين في مجلة القبس الكويتية منذ يومين، وأنا أستخدمه هنا لأخدم ذات الفكرة ولكن من زاوية سودانية، سيما وأن السودانيين ربما يتقنون أكثر عمليات السباحة في بحيرات «الحركات الإسلامية»، وذلك لكوننا قد عشنا تفاصيل هذا الفيلم الذي يعرض للمرة الأولى في هذا الربيع في البلدان العربية الأخرى، لّما كان يهبط في الخرطوم باستمرار رواد الحركات الإسلامية، التونسي راشد الغنوشي واليمني عبدالمجيد الزنداني وآخرون، وهم يومئذ يتساءلون أيهم سيبلغ منصات الحكم في بلاده أولاً، وأذكر عند صدر الإنقاذ قد اعتلى الشيخ الزنداني منبر مسجد جامعة الخرطوم قائلاً، لم نكن نتوقع أن يصل الإسلاميون السودانيون إلى سدة الحكم أولاً برغم رهان شيخ حسن الترابي على ذلك، ويضيف الزنداني «ولكن يبدو أن الترابي يعرف بلده جيداً». وهي على أية حال، مشيناها خطى كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطى مشاها. وربما يذكر قراء هذه الزاوية أننا قد راهنا منذ أول يوم على إسلامية ثورات الربيع العربي، التي يزداد احتدامها ونشاطها في كل جمعة جديدة، فربيعنا العربي بالكاد يخرج من المساجد، وقد ذهبت مؤسسة الملاذات، الجناح الفكري، إلى أبعد من ذلك، على أن هذه الثورات في مجمل نهائياتها ستشكل تهديداً مباشرة للمشروع الصهيوني في المنطقة والمنطق. ولا أعرف إن كان الغرب في آخر المطاف سيعيد النظر في ديمقراطيته التي ستحمل الإسلاميين في كل دول الثورات العربية إلى منصات الحكم، الديمقراطية السلاح الذي سيفتك بأهله، فقد ظل الغرب يدعوننا لمسيرة نصف قرن من الزمان إلى الاحتكام للديمقراطية، وذلك على افتراض أن «العودة إلى الإسلام» هي أشواق نخب وليست متطلبات شعوب ورغبات جماهير. لكن الربيع العربي في نسخه المتعددة سيبرهن أكثر بأنه لو خلى بين الشعوب العربية ورغباتها الحرة لاختارت الإسلام ولا شيء غير الإسلام، فأول الغيث كانت تونس، باكورة الثورات العربية في نسخة هذا الربيع، فالتونسيون الذين هم أقرب للغرب بحكم الجوار ها هم ينتخبون حزب النهضة الإسلامي، وعن مخرجات الثورة المصرية المرتقبة فحدث ولا حرج، فالإسلاميون المصريون، صنّاع أطروحات الإسلام الحركي، والأكثر تنظيماً ونضجاً وعراقة ستتحدث نيابة عنهم الدوائر والصناديق، بل إن الأخوان المصريين قد طفقوا يتحدثون من الآن بأنهم لا يرغبون في أكثر من خمسين بالمائة من مقاعد البرلمان المرتقب حتى لا يجعلوا من الأحزاب التاريخية العلمانية العتيقة مجرد ضيوف شرف على حافة المشهد. أما الجماهيرية الليبية في نسختها الجديدة فإنها كانت أكثر جرأة في هذا المضمار، فلم ينتظر المستشار عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي حتى تأتي صناديق الاختيارات، فقد قال الرجل في «احتفال التحرير» والنيتو يستمع وأوربا من وراء المحيط، بأن ليبيا دولة إسلامية وإن القوانين ستستمد قوتها وشرعيتها من الإسلام، وسوريا في الطريق واليمن، وغداً الجزائر والمغرب وبعد غد الخليج العربي. { مخرج.. تساءلت فضائية العربية، العبرية، في هذا السياق، أي النسخ الإسلامية ستطبقها نهضة تونس الإسلامية!، والسؤال لا يخلو من خبث ومكر من فضائية جعلت من المسلمين «صنّاع موت»، غير أن التونسيين قد قالوا في أكثر من موقع إنهم لن يقيموا «دولة طالبانية» وإنهم سيستفيدون من كل التجارب، بما فيها «التجربة التركية».. والتغطية مستمرة.