يصادف اليوم الأربعاء الموافق 2 نوفمبر الذكرى الرابعة والتسعين لإعلان بلفور الشهير بوعد بلفور ولا نعرف لماذا اختار المترجم كلمة وعد بدلاً من الكلمة الصحيحة التي هى إعلان وقد صدر الإعلان في 2 نوفمبر 1917م قبل أن تنتهي الحرب العالمية الأولى بعام. وبلفور صاحب الإعلان هو زعيم حزب المحافظين ووزير خارجية بريطانيا في الحكومة الائتلافية التي كان يرأسها زعيم حزب الأحرار لويد جورج. وبلفور واسمه بالكامل آرثر جيمس بلفور أسكوتلندي أرستوقراطي، شغل من قبل منصب رئيس الوزراء وجاء في الإعلان أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسوف تبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على أن لا ينتقص ذلك من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أى بلد آخر. وواضح جداً أن الإعلان كان يشكل انحيازاً سافراً لليهود وأنه لم يكتف بالتعبير عن الرغبة الجادة في قيام دولة يهودية في فلسطين وإنما اهتم أيضاً بضرورة المحافظة على الحقوق التي يتمتع بها اليهود خارج فلسطين. وعندما صدر الإعلان الشهير في 2 نوفمبر 1917م كان معظم العالم العربي خاضعاً للاستعمار وكان بعض هذا الاستعمار بريطانياً وبعضه الآخر فرنسياً وكانت بريطانيا تحكم أكثر من نصف العالم. وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية بلداً قوياً غنياً وكان واضحاً أنه مقبل على شغل مكانه المستحق في السياسة والاقتصاد والنفوذ على مستوى العالم لكنه لم يكن قد انغمس بعد في الشؤون الدولية، خاصة في نصف الكرة الشرقي، وتزامن إعلان بلفور مع الثورة الشيوعية الكبرى التي قادها لينين ورفاقه في روسيا وكان من نتائج هذه الثورة قيام الاتحاد السوفيتي عام 1922م وقد انتصر هذا الاتحاد مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945م على قوات المحور المؤلفة من ألمانيا وإيطاليا واليابان وأصبح بعدها هو القوة العظمى الثانية في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم انهار مطلع تسعينات القرن الماضي وأصبح في ذمة التاريخ. وفي ذلك الوقت من نوفمبر 1917م كان السودان يخضع للاستعمار البريطاني المصري وكما قيل مراراً فإن الكلمة العليا في السودان كانت لبريطانيا وكان الدور المصري ثانوياً بحكم أن مصر نفسها كانت تخضع في ذلك الوقت للاحتلال البريطاني. وكانت الخلافة العثمانية لا تزال على قيد الحياة لكنها كانت تعيش في الرمق الأخير وقد سقطت بالفعل بعد ذلك التاريخ بستة أعوام، إذ ألغاها أتاتورك عام 1923م. لقد صدر الإعلان ثم نشأت دولة إسرائيل أواخر الأربعينات ولم تقم على الأرض بعد الدولة الفلسطينية وما زال الفلسطينيون يناضلون لأجل ذلك وقد قطعوا شوطاً مقدراً خاصة في الجانب السياسي الدبلوماسي.