لم تعُد خلاوى القرآن في زمن العولمة، تلك التي تُخرِّج حافظ القرآن وهو يحمل «لوح الشرافة ل(يشحد) به، ويستجدي الناس أعطوه أم منعوه، بل واكبت الخلاوى عصر المعلوماتية والتحديث، حيث صار بالخلوة المكتبة الإلكترونية ومعاهد تدريس علوم القرآن والحديث، حيث يتخرَّج الطالب داعية مؤهلاً يتسلح بشتى ضروب العلم. ولكن (المرحوم) الشيخ عبد الرحيم البُرعي بديار كردفان كانت له نظرة أبعد من ذلك، حيث تخطَّاه لمشروع (الحافظ المهني) أي يتخرَّج حافظ القرآن وقد تدرَّب على مهنة صناعية من خلال دراسته في معهد للتلمذة الصناعية «حدادة، برادة، سمكرة، مباني، سباكة»، فكان مشروع قيام تدريب مهني بمسيد زريبة البرعي. ولكن يدُ المنون قد امتدت لروحه الطاهرة وانتقل إلى جوار ربه ليجيء ابنه الخليفة الشيخ الفاتح عبد الرحيم البرعي، ذلكُم الرجل الورع التقي النَّقي بتواضعه الجمْ وبصيرته النافذة، وبمبادرة منه طرق باب الأمانة العامة للتدريب المهني والتلمذة الصناعية لإحياء مشروع مهني الزريبة ومشروع لتنمية قدرات المرأة (مشغل- ماكينات تصنيع صغيرة). فالتقى سعادة الفريق مهندس محمد أحمد رسمي الأمين العام للتدريب المهني والتلمذة الصناعية وطرح عليه فكرة مشروع (الحافظ المهني)، فاستحسنها ورحَّب بها أيَّما ترحيب. كيف لا والرجل هو رائد التعليم الفني في البلاد ويشهد له التدريب المهني العسكري بالكدرو الذي خرَّج أعمدة الصناعة في كُبريات مصانع الدولة. فقام سعادة الفريق بتنويره على خُطط المراكز المهنية وتبني الفكرة خاصة وأن لديهم مشروعات مماثلة في «بربر - خلاوى الشيخ الفادني». فقدم له شيخ الفاتح الدعوة لزيارة مسيد الشيخ البرعي فقبلها، بل وعلى الفور شدَّ الرحال مع أركان حربه مدير إدارة المشروعات ومدير الشؤون الفنية برفقة المهندس الكهربائي الهادي محمد آدم البحير. وما أن وطِئت أقدامهم تلك البقاع الطاهرة، وكان الوقت على مشارف عيد الأضحى المبارك حيث يذهب الطلاب في إجازة العيد، فانتابت سعادة الفريق الدهشة من ذلكُم الكم الهائل من عدد الطلاب رغم أنه لم يجد سوى ألف ونيِّف من مجموع أكثر من ثلاثة آلاف دارس، فكان التعليق (من أين يأكل هؤلاء ويشربوا)؟! نعم.. إنَّها بركات القرآن. فقضى الوفد المبارك زهاء اليومين في تلك الديار الطاهرة تشبَّعوا فيها بروح الإيمانيات وسط حفاوة شيخ الفاتح وأهل مسيده الذين أغدقوا عليهم من كرم الضيافة والترحيب. وقدم سعادة الفريق رسمي محاضرة خاطب فيها طلاب الخلوة شارحاً لهم أهمية التعليم الفني بجانب علم القرآن، ووعدهم بقيام معهد مهني بما يتوفر من معيات من الدولة أو الأمانة العامة. ورجع الوفد وهو يحمل أفكاراً جادة لقيام ذلكم الصرح المهني حتى يُسهم في رفد البقاع النائية من الولايات بكوادر مؤهلة بحِرف مهنية هي أشد ما تكون الحاجة لها هناك.