لم تبد القاعة متسعة بما يكفي لتسع كراسيها وممراتها المحشوة بأسلاك الكاميرات والكشافات تعرقل مسيرة الأقدام المتراصة الخطوات. كل القيادات والوجوه والأفكار والشباب، تحاول أن تجد مكاناً ما تستقر فيه بعد المجيء المبكر لحضور فعاليات افتتاح المؤتمر العام الثالث لاتحاد الشباب الأفريقي في الخرطوم بالأمس الذي شرّفه بالحضور السيد المشير (عمر حسن أحمد البشير) رئيس الجمهورية وممثل مفوضية الاتحاد الأفريقي (جام بينق) وممثل رئيس دولة غينيا الاستوائية بجانب عدد غير قليل من الوزراء والمساعدين والسفراء ووزراء شباب البلدان المشاركة في المؤتمر. وتمر بالخاطر، ذكريات مساءات الخرطوم وهي تجمع قادة أفريقيا على قلبها الواسع تستلهم منهم وبهم قدرتها على أن تكون عاصمة مختلفة ثقافياً وسياسياً وجغرافياً. ولكن الصورة الأقرب إلى العين الآن، هي نهارات ميادين التحرير وهتافات التغيير الذي يغلّفه الشباب بورق سوليفان من دمائهم ومبادئهم العميقة في إحداث حراك ديموقراطي يؤسس لأنظمة تراعي الشباب في كافة حقوقهم ويرعوا هم نشاطات تنفيذها بقدرتهم الحيوية والإحيائية ولا شك بعقولهم النشطة والمنفتحة على كل صباح فكري جديد. والجديد يوم أمس أن التغيير أراد له اتحاد الشباب الأفريقي - بمقره المختار في الخرطوم - واتحاد الشباب الوطني السوداني، أن يكون في ميدان الاقتصاد شاملاً كل أفريقيا بتصميم شعار للمؤتمر يتوافق مع ذلك (الحراك الشبابي من أجل التحرر الاقتصادي، الآن) ورغم أنه تحدٍّ حقيقي تجابه به أفريقيا كلها والسودان على وجه الخصوص، إلا أن اختياره ليكون هو المحرك الذي يستخدم فيه الشباب طاقاتهم الفريدة ليحسنّوا من الوضع الاقتصادي الأفريقي هو ذكاء مستبق لخطوات التغيير التي يمكن أن تحسب سيئاتها بعدد أكبر من حسناتها. الحس الخفيف الذي بدأ به رئيس الاتحاد الأفريقي (بينقنق تويا) كلمته بتحية أفريقيا (آفريكا ويي) ثم مطالبته لمن هم في سن الشباب بالوقوف وتقديم التحية لأفريقا تصفيقاً وبصوت عال، رغم أنه اعتذر للسيد الرئيس قائلاً (أعتذر عن الخرق الدبلوماسي لكننا شباب وهذه طاقتنا) كان فناً رفيعاً لإثبات مقدرة الشباب على التغيير في أبسط المساحات، ولو بخرق دبلوماسي لطيف أضاف النكهة الأفريقانية الخاصة، التي لا يمكن دسها تحت البدلات الرسمية! رسم خريطة بيانية للتغيير الاقتصادي على مستوى أفريقيا عموما ربما يحتاج لأكثر من مؤتمر ودورة انعقاد وحشود مختلفة القلوب والمشارب. لكن القدرة العقلية والديناميكية لدى الشباب تستطيع إنجاز أصعب المراحل فقط إذا أتيحت لهم المساحات الكافية لذلك عبر آليات القوانين في البلدان الأفريقية كافة، بجانب الموارد المالية، فالموارد الطبيعية موجودة. فذلك من شأنه إحداث خرق اقتصادي عالمي يجعل من أفريقيا سيدة عموم العالم. عموماً كان صباحاً طازجاً رغم الازدحام المتلاصق الذي قلل من نسمات البرد، ورغم الضجيج المصاحب من الفرق الشعبية في مدخل القاعة والفرق الغنائية داخل القاعة ورغم تخطي البروتوكول لقراءة آيات من الإنجيل المقدس - فمعظم الوفود المشاركة تدين بالدين المسيحي - لكن السيد الإمام (الصادق المهدي) رئيس حزب الأمة القومي، بحضوره الأنيق وخطفه للأضواء - كعادته - وفلاشات الصور التذكارية من الوفود والشباب السوداني! والتنوع الثقافي الواضح في الأزياء واللغات والابتسامة التي كانت لغة مشتركة والرحابة في التعامل كل ذاك جعل من شوارع الخرطوم أمس مزدحمة فقد دخلوها «الشباب الأفريقي»، وحمامها طار..