أول ما يواجهك في مكتب المحامي الوزير لأكثر من مرة الأستاذ الشاعر الكاتب عبد الباسط صالح سبدرات، صورة لضابط شاب على قدر وافٍ من الوسامة. وقلت له مؤكد إنه معاوية، وفجأة تغيرت ملامحه وخيم على وجهه حزن مسرف خرافي وقال نعم، وقلت له لا أريد أن أجدد أحزانك لكنني أعتقد أن أفظع التجارب التي يمكن أن يعيشها المرء هي أن يقتل شقيقه، وثنى سبدرات ما قلته. وكان الضابط الشاب معاوية صالح سبدرات قتل أثناء ما كان يؤدي واجبه في حوادث ود نوباوي في مارس 1970م. وقلت للمحامي سبدرات أنا مثلك عشت هذه التجربة الفظيعة البشعة فقد قتل شقيقي الملازم نزار في ياي بالجنوب أثناء ما كان يقوم بواجبه الوطني المقدس في يوليو 1991م، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن فإنني أشعر أن الدنيا موش هيا كم تغني أم كلثوم وثنى سبدرات مرة ثانية ما قلته وقلت له يشترك معنا في هذه التجربة الفظيعة البشعة اللواء خالد حسن عباس أحد كبار مفجري ثورة مايو 69 وحسين خوجلي صاحب جريدة ألوان وفضائية أم درمان، فقد قتل شقيق الأول الملازم محمد حسن عباس في مذبحة بيت الضيافة بالخرطوم في يوليو 1971م بعد الانقلاب الشيوعي وكان ذنبه الوحيد أنه شقيق اللواء خالد عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع والقائد العام، وقتل شقيق الثاني عبد الإله خوجلي زميلنا في كلية طب القصر العيني بجامعة القاهرة لاشتراكه في انقلاب 2 يوليو 1976م الذي دبرته أحزاب الأمة والإخوان المسلمون وبعض الاتحاديين الذين كان يقودهم الشريف حسين الهندي بدعم وتمويل الرئيس الليبي معمر القذافي وقد أطلق على ذلك الانقلاب اسمين هما انقلاب المرتزقة بحكم الدور الليبي والانقلاب الأبكم نسبة لفشل الانقلابيين في تشغيل إذاعة أم درمان. لقد تعددت أسباب القتل لكن شعور أشقاء المقتولين واحد لا يوصف أبداً. وقلت لسبدرات في اليوم التالي لمصرع قرنق كنت مع حسين خوجلي في مكتبه وقال لي ما رأيك في هذا الذي جرى وقلت له هذا هو أسعد وأعظم أيام حياتي، وصحيح أن الدكتور جون قرنق لم يقتل بمسدسه الملازم نزار ولكن لولاه ولولا حركته العميلة لما قتل نزار وكم كان الوطن العظيم الشاسع ضيقا لا يطاق أيام كان الدكتور جون قرنق دي مبيور هو النائب الأول لرئيس جمهورية السودان ومن حسن الحظ أنه لم يبق في هذا المنصب الرفيع الذي لا يستحقه أكثر من ثلاثة أسابيع.