مسكين أنا مسكين أبوي.. مسكينة أمي وبرضو أختي كمان أخوي لكن.. ورغمك يا شقا.. برضو راكزين زي بلد.. الليل سرح فيها ومشى وساوم عيونها وحسَّنها ولا اتبدلت .. لا استسلمت. هاشم صديق مبدع بقامة وطن، ظل لأكثر من أربعين عاماً يصافح اسمه مسامعنا وهو كاتب شامل كالنحلة صال وجال في كل مرافئ الإبداع ممثلاً ومؤلفاً وناقداً وشاعراً ومخرجاً.. عمل أستاذاً بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح وتخرَّج على يديه العديد من النجوم في مجالات الفنون المختلفة. ولقد استطاع أن يخلق جسراً من التواصل بينه وبين المشاهدين من خلال برنامجه السابق الناجح(دراما 90) وله أعمال درامية معروفة من ضمنها مسرحية (نبتة حبيبتي) والمسلسل الإذاعي الشهير (الحراز والمطر) و(طائر الشفق الغريب) بالتلفزيون. ومن دواوينه الشعرية نذكر منها (كلام للحلوة) و(جواب مسجل للبلد). أستاذنا هاشم صديق أُجريت له مؤخراً عملية دعامات لشرايين القلب بمدينة «تولوذ» جنوب غرب فرنسا وتكتم عليها حتى تجاوز محنة المرض.. سكت عن أوجاعه مشفقاً على جمهوره الذي أحبه والحمد لله هو الآن في أتم صحة وعافية.. كتب قصيدته الجديدة ب(الأهرام اليوم) ويعتصر آلامه وحملت عنوان (قلب مفتوح) مرقت أكوس على نفسي بعد (ضاقت) شرايين قلبي و(انسدت) و(راجين مبضع الجراح) تقول ما كفاية ضيق الدنيا يا قلبي ولا عمراً جراح مشتيو تقول ما شلت جرح الناس وما كاتلت شان الصباح غريبة يا قلبي رترت وفترت ما كملت ليل الرحلة شان تواصل شمس .. وصباح وشان ترتاح وهاشم صديق خير من يحمل قضايا الشعر ويحوِّله إلى قوافٍ تعيش ما بين الماء والنار، بل يكاد أن يحوِّل بانفعال الدراما قصائد تقف ما بين الثرى والثُّريا. هذا الإنسان الفنان حملته المنابر الثقافية عبر القصائد والإطلالة.. والإيحاءات والتراتيل وأوشك أن يسحب شريحة كاملة من الأغاني وأجبرهم على تلحين الهواء الفارغ.. هاشم صديق يمثِّل منعطفاً خطيراً في سماء الأغنية السودانية.. بداية بملحمته التاريخية مع الموسيقار محمد الأمين وكذلك (حروف اسمك عقد منضوم بخيط النور) ولأبي عركي (أذَّن الآذان) و(أضحكي)، ولمصطفى سيد أحمد (حاجة فيك)، ولصلاح ابن البادية (يا جنى)، ولسيد خليفة (النهاية)، يوم في يوم غريب فيه الشمس لمت غروبها وسافرت. وشكَّل بأغنياته الوسيمة الوجدان السوداني عبر إعادة صياغة جديدة في الكلمة.. وما أن ظهرت حقوق المؤلف والمصنفات الفنية والأدبية حتى حمل قضية ناضل من أجلها كثيراً.. وهو لديه حق أصيل احترمه الجميع وخسر المستمع إزاء هذه القضية أغنيات رائعات كانت تمثِّل المتكأ والسلوى التي يستريح من خلالها من وعثاء التعب والهم.. معاي ساعة تفتح الدكان معاي في البص على أم درمان ومن الكبري الكبير بالليل أعاين في البحر مهموم ألاقي وجيها شاقي النيل وفي ساعة التعب والخوف أشيل خطواتي وأمشي عديل.. هكذا كانت المعاني تتجاوز حاجز الدهشة لتصل إلى المستحيل.. هاشم صديق نغم فوَّاح مازلنا ننتظره ليعطِّر ويجمِّل حياتنا بالبهجة والنَفَس المعتَّق، ونتمنى أن يعود إلى وطنه سالماً معافىً. وحاجة فيك تقطع نفس خيل القصائد .. وتشده أجراس المعابد.. توهتني.. تعبتني وجننت حرف الكلام وبرضو أدتني السلام.. حاجة في شرف المدائن في غرف كل السفائن.