نظمت الولاية الشمالية الأسبوع الماضي يوماً سمته (نفرة التعليم) وذلك بعد أن تردى التعليم بالولاية ووصل مراحل متردية جداً جداً جعلت القائمين على أمر الولاية بدءا من فتحي خليل والي الولاية الشمالية يفكرون ويطلقون الصيحات من أجل إنقاذ التعليم بالشمالية.. نعم التعليم بالشمالية تردى وأصبح ينادي من أجل إنقاذه بعد أن كان في المصاف العالي ويشار إليه بالبنان لكونه قد خرج كل القيادات العليا بدولة السودان. فالولاية الشمالية كانت مدارسها حتى أوائل الثمانينيات تتربع على عرش الشهادة السودانية.. الكل هناك كانت ينتظر إعلان النتيجة عبر المذياع وهو على يقين تام بأن مدارس الشمالية لها نصيب الأسد في (العشرة الأوائل) في المساقين (الأدبي والعلمي).. كانت مدارس كورتي الثانوية ومروي وكريمة ودنقلا على رأس القائمة.. أبناؤها كانوا يحتلون المقاعد الأولى في الكليات العلمية بجامعة الخرطوم وتحديداً (كلية الطب).. وأذكر هنا الحديث الذي أدلى به لبرنامج (أسماء في حياتنا) الدكتور خليفة العوض حينما قال: عندما امتحنا الشهادة السودانية من مدرسة مروي الثانوية كانت كل الدفعة من المساق العلمي قد تم قبولها بكلية الطب جامعة الخرطوم فيما عدا طالبا واحدا الذي لحق بهم العام الثاني وأضاف «سكنا في داخلية واحدة سميت بداخلية الريف» في إشارة إلى أن جل هؤلاء الطلاب جاءوا من الريف. يا سبحان الله دفعة واحدة تدخل طب الخرطوم في زمن كانت الجامعات في السودان تحسب على أصابع اليد الواحدة (3) جامعات فقط أو (4) الخرطوم والسودان والجامعة الإسلامية وجامعة الجزيرة.. كان الوصول للجامعات صعباً للغاية حتى إن تفوقت بنسبة عالية جداً فالتنافس كان كبيرا لكون أن تدخل دفعة واحدة كلية الطب في جامعة الخرطوم هذا الأمر يؤكد أن التعليم بالشمالية كان بخير وأن البيئة كانت صالحة للدراسة والتحصيل. الآن رغم الثورة التعليمية الكبيرة والتوسع في مجال الجامعات إلا أن التعليم قد تدهور وانتهت المدارس الحكومية التي كانت متربعة وبات الطالب يجلس لامتحانات الشهادة أكثر من مرة ولكن بدون جدوى ولا ندري أين تكمن العلة في الطالب أم الأستاذ أم أن البيئة المدرسية المتردية هي وراء الإحباط.. الإحباط الذي يؤثر في الطالب والأستاذ معاً أضف إلى ذلك الفقر والحاجة التي تقف وراء التحصيل الجيد للطالب إذ أن الطالب يكون مهموماًً جداً بالرسوم الدراسية وكيف به أن يأتي بها وهو يعرف جيداً الظروف الاقتصادية التي تمر بها أسرته، أقول هذا وفي خاطري التشجيع الذي كان يتلقاه الطالب في وقت مضى عندما يكون متفوقاً في الدراسة.. فالمدرسة كانت (تقوم) بإلغاء الرسوم الدراسية المقررة عليه الأمر الذي يشجعه لمزيد من التحصيل والتفوق.. هذا التشجيع كان يأتي من القائمين على أمر التعليم بالشمالية (وأنا) واحدة من بنات الشمالية وقد درست كل مراحلي هناك فيما عدا الجامعة وكنت شاهدة على ذلك كنا نتنافس لكي نحصل على جوائز إعفاء الرسوم وتقديم الجوائز في نهاية العام الدراسي. الآن كل هذا انتهى وانتهت المدارس وتدنت وتدهورت بيئتها حتى أصبحت تطلق صيحات الإغاثة.. فحتى إن تم تطويرها وإعادتها إلى سيرتها الأولى فإن أثر ذلك التردي سيكون موجوداً في نفوس الطلاب خاصة أبناء الفقراء الذين يحبون الدراسة جداً والمدرسة ولكن ضيق ذات اليد تمنعهم من التواصل وينعكس ذلك في نسبة التحصيل والتفوق الأمر الذي جعل المدارس هناك تتراجع وتختفي أسماؤها من ضمن المدارس المتفوقة التي تذاع. علينا أولاً أن نبحث عن أسباب التردي لنعالجها ونذلل كافة المشاكل حتى ينطلق التعليم هناك وأن نسهم في حل مشاكل الفقراء وأن نشجع الطلاب النابغين ونمنحهم جوائز قيمة على شاكلة سيارة مثلاً حتى يتسابق الطلاب في العام الذي يليه من أجل الحصول على السيارة. مشاكل التعليم بالشمالية بحاجة إلى أكثر من (نفير) وليس نفيراً واحداً. فالمال سيتوفر من أبناء الشمالية ولكن يبقى السؤال كيف يمكن توظيفه!؟!!