في الفترة من يوليو 1952م تاريخ استيلاء الضباط الأحرار على السلطة في مصر، إلى ديسمبر الماضي، أُجريت الانتخابات التشريعية أكثر من مرة.. وكان هناك قولان حول نزاهة هذه الانتخابات، والرأي الغالب أنها لم تكن نزيهة. فقد كان هناك حزب واحد اسمه هيئة التحرير. تغيَّر في الخمسينيات إلى الاتحاد القومي، ثم أصبح اسمه في الستينيات الاتحاد الاشتراكي. وكان النظام شمولياً. وفي السبعينيات سمح النظام بعودة الأحزاب لكنها كانت ضعيفة وفقيرة. وكان حزب السلطة لا يزال مهيمناً وقد تغيَّر اسمه إلى الحزب الوطني. وفي ظل هذه التعددية الجديدة، أُجريت أكثر من انتخابات تشريعية وكان يكتسحها جميعاً حزب السلطة أي الحزب الوطني. ولم تخل قط من التزوير. وفي هذه الفترة التي عاشتها مصر في ظل شرعية ثورة يوليو 52 وحكم خلالها أربعة رؤساء قدموا جميعاً من الجيش، هم اللواء محمد نجيب وكان حكمه اسمياً، والمقدمان عبد الناصر والسادات واللواء حسني مبارك. وقد كانوا«فراعنة» حقيقيين. لم تعرف مصر الانتخابات الرئاسية وبدلاً عنها كان الاستفتاء على رئاسة الجمهورية حيث المرشح واحد وفوزه بالتالي مؤكد وبنسبة أعلى من تلك التي يحصل عليها الطلبة المقبولون في كليات الطب والهندسة. وتغير ذلك كله في يناير الماضي فقد أُجريت الانتخابات التشريعية وكانت نزيهة أو أنها كانت أكثر نزاهة من كل الانتخابات التشريعية التي أُجريت عندما كانت مصر تعيش في ظل ثورة يوليو 1952 وكانت تلك خطوة مهمة على طريق الديمقراطية. وكانت في نفس الوقت أحد آثار ثورة 25 يناير 2011م التي أطاحت بالرئيس مبارك. ولأول مرة منذ يوليو 1952م تُجرى الشهر القادم الانتخابات الرئاسية والأرجح أن تتضمن قدراً عالياً من النزاهة. وهذه الانتخابات الرئاسية وأياً كانت نسبة نزاهتها، أثًّر أو نتيجة من نتائج ثورة 25 يناير، فقبلها لم تكن مصر تعرف الانتخابات الرئاسية وإنما كان يُفرض عليها الاستفتاء على رئاسة الجمهورية. وقبل يوليو 1952 لم تكن هناك انتخابات رئاسية ولم يكن هناك استفتاء على رئاسة الجمهورية، وإنما كان هناك ملك تسلُّم الحكم بعد وفاة والده، وكان من المؤكد أن يخلفه في الحكم بعد وفاته أو عجزه ابنه وكأنه لم يكن في مصر إنسان مؤهل للحكم من خارج الأسرة الحاكمة التي أسسها محمد علي باشا الذي أصبح حاكماً عام 1805م. وألغت ذلك ثورة يوليو 52 التي أعلنت النظام الجمهوري وقد حاول الرئيس مبارك الذي ما كان له أن يصبح رئيساً لمصر لولا تلك الثورة، ومعه زوجته سوزان أن يطعنوا هذه الثورة في أحد أهم إنجازاتها الذي هو إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية، حيث حكم مصر متاحاً لكل المصريين الطامحين وليس حكراً على أسرة معينة، عندما سعيا وخطَّطا لتوريث الحكم لابنهما جمال. لكن الشعب العظيم رفض بثورته الأسطورية في 25 يناير 2011م أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، وأن تحتكر أسرة حكم مصر جيلاً بعد جيل.. والذين يقولون إن ثورة 25 يناير ألغت ثورة 23 يوليو ويتناسون أن ثورة 25 يناير أبقت على أحد أهم إنجازات ثورة يوليو 52 الذي هو إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية ولا أحد يطالب في مصر بعودة النظام الملكي والعلم القديم رغم المآخذ الكثيرة التي حملوها على النظام الجمهوري وأهمها غياب الديمقراطية