التحديات الناجمة عن انفصال دولة جنوب السودان، في طليعتها بالطبع خوض معركة حدودية مع الدولة الوليدة. وأكد العديد من الخبراء والمحللين أن التحديات تنصب في الصعد الأمنية والاجتماعية والسياسية. مستشار رئيس الجمهورية؛ د. غازي صلاح الدين، كشف عن تحديات جديدة تواجه السودان بعد انفصال الجنوب في ظل التحولات الدولية. وقال لدى مخاطبته ورشة عمل (السودان بعد الانفصال التحديات والفرص) بمركز التنوير المعرفي أمس الأربعاء إن من أكبر التحديات التي تواجه البلاد صياغة دستور دائم وإنشاء مفوضية قومية لصياغة الدستور ووضع أساس قوي لمفهوم جديد للوحدة الوطنية وتحقيقها في ظل التحولات الكبرى التي تحدث في المجتمعات، فيما كشف عدد من الخبراء السياسيين والاقتصاديين والإستراتيجيين عن المزيد من التحديات وكيفية الوصول إلى بر الأمان حديث د. غازي لم يقتصر على إبراز التحديات وحسب بل امتد لينتقد تقاعس المجتمع الدولي في إنفاذ اتفاقية السلام الذي اتهمه بالإسهام في إبراز تحديات جديدة واجهت البلاد عقب انفصال الجنوب، موضحاً أن التحديات الأمنية من أهم التحديات التي تواجه السودان في الوقت الحالي على حد قوله، واعتبر أن القضية الأمنية قد تطورت بادعاء الجنوب بأن هجليج منطقة متنازع عليها. فيما أعلن عن مجموعة من التدابير التي من شأنها أن تسهم في تذليل المعضلات من خلال الاستفادة من منظمات المجتمع المدني والجامعات ومراكز الأبحاث لمواجهة التحديات الجديدة وبوضع إستراتيجيات بعيدة المدى تهدف إلى صياغة علاقات خارجية مؤسسة وموجهة لمصلحة البلاد والتحكم في التدخل الأجنبي في السودان لمواجهة الانقسامات والصراعات الداخلية. الخبير السياسي؛ د. محمد إسماعيل علي إسماعيل، أكد على تزايد التحديات الاجتماعية السياسية والاقتصادية في السودان عقب الانفصال وفي ظل تكوين الجمهورية الثانية، مطالباً بضرورة بناء سياسات فاعلة تسعى إلى استدامة السلام وتفعيل الحكم الرشيد ودعم التنمية والتخلص من الفقر وأضاف: هناك الكثير من التحديات التي أضحت تواجه السودان في ظل الظروف الراهنة على رأسها إدارة التعدد والتنوع ومفهوم القبلية والجهوية واندلاع الحرب الأهلية ومحاصرة الفقر والاهتمام بتدعيم التنمية وتحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية، والأهم من ذلك النظر في قضايا الرعي والرحل وقضايا الحدود وقبائل التماس بعين الاعتبار، وأضاف قائلاً: من المهم جداً الاستفادة من طبيعة تنوع السودان وتعدد مكوناته العرقية واللغوية ووضع خطط إستراتيجية لإدارة هذا التنوع في ظل صياغة مفهوم جديد للوطنية، وطالب د. محمد إسماعيل في حديثه بتسوية عاجلة لمواجهة الحروب الناشبة بين المركز والاحتجاجات الطرفية، إلى جانب تخفيض التدخل الأجنبي، مؤكداً على خطورة إجماع الأحزاب المعارضة على إسقاط النظام واعتبره من أبرز التحديات الراهنة، وشدد على ضرورة زيادة إنفاق الدولة على القطاع الاجتماعي وبسط الحريات العامة وحقوق المواطنة وإحكام إدارة الحدود وضمان حقوق الراعاة وتوقيع اتفاقيات وبروتكولات مع دولة الجنوب حول هذه القضية. ازمة شاملة نحن نواجه أزمة اقتصادية شاملة تتطلب تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي ودعم التنمية، هكذا ابتدر المحلل الاقتصادي؛ د. حسن بشير محمد نور، حديثه عن التحديات الاقتصادية المتمثلة في (البترول، المراعي والديون الخارجية)، التي أشار إلى أنها مرتبطة إلى حد كبير بالاستقرار السياسي للدولة وقال د. حسن بشير إن السودان تعرض إلى نقص في الموارد بعد الانفصال ونقص في المساحة والذي قدر ب 34,6 التي تمثل كماً كبيراً من الأراضي الخصبة والمراعي في السودان مما تسبب في نقص الإيرادات البترولية والنقد الأجنبي، وأضاف أن من أكبر التحديات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد التضخم الركودي وارتفاع تكاليف الإنتاج وتدني مستوى الدخل ومن ثم تقلص الحركة الشرائية مما تسبب في إحداث خلل واضح في الأمن الاقتصادي وارتفاع تكلفة معدات الإنتاج اللازمة، وطالب د. حسن بشير بضرورة تغيير السياسات الاقتصادية والإسهام في الخروج من الأزمة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وأقر بأن المقاطعات الخارجية المستمرة التي يعاني منها السودان قد أحدثت خللاًَ في الاقتصاد السوداني لاسيما سوء توظيف عائدات البترول، وأوضح أن من أهم الحلول التي من شأنها أن تسهم في حل الأزمة الاقتصادية إعادة هيكلة الاقتصاد للشركات الحكومية بالدولة دون المحاباة والاهتمام بحسم قضايا الفساد وحلها بشكل جذري وخلق روح تنافسية في العمل الخاص لاسيما الاهتمام بتطوير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة باعتبارها من أهم مؤشرات التنمية البشرية، وتفعيل العلاقات الخارجية التي من شأنها أن تسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني، وفي ختام حديثه أشار حسن بشير إلى أهمية استصحاب تجارب دول العالم المتقدمة ك(الصين، روسيا، الهند وجنوب أفريقيا) على مستوى النهوض بالاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية وتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل وتهيئة الجو الملائم لرؤوس الأموال الأجنبية وإرساء قواعد المؤسسية والمحاسبية في العمل الخاص. حلقة مفرغة بينما ركز د. عمر عبد الله جمعة، على التحديات المتعلقة بالأمن الإنساني وبناء السلام في السودان بعد الانفصال، موضحاً أن السلام لا يتحقق يتوقيع الاتفاقيات ووقف إطلاق النار، مشيراً إلى ضرورة بناء شرعية النظام السياسي وضرورة تقديم بعض التنازلات من قبل الدولة لمواجهة التحديات التي من أبرزها توفير الأمن الإنساني وبناء نظام قانوني ومن ثم تحقيق استقرار على المستوى الاقتصادي وكسر الحلقة المفرغة للحروب الممتدة وتقوية أطر السلام والأمن، مؤكداً أن تلك التحديات لا يمكن مواجهتها إلا في ظل إعادة بناء شرعية النظام السياسي والنظر في سياسات الاقتصاد الكلي. من جهته أوضح د. عبد الله ميرغني صالح (صارمين) أن الحرب هي أكبر تحد يواجه الدولة في الوقت الراهن وتحدث عن الأبعاد الخارجية والتدخل الدولي في أزمة مناطق (جنوب كردفان وجبال النوبة وولاية النيل الأزرق)، مطالباً الدولة بضرورة السعي لوقف الحرب التي أسهمت في زيادة التدخل الخارجي من قبل المجتمع الغربي. واتفق كل من الخبير السياسي؛ د. حسن الساعوري، وخبيرة العلوم السياسية؛ د. رحاب عبد الرحمن الشريف، على التحدي الذي يواجه السودان نتيجة علاقته المتوترة بأمريكا وأثر سياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية الخارجية على مستقبل وحدة الدولة السودانية، باعتبار أن أمريكا لديها أطماع في السودان نظراً لتميز موقعه الجغرافي وتنوع موارده لاسيما أن السودان يعتبر بوصلة رابطة بين الدول العربية والأفريقية، إلا أن اتهام الولاياتالمتحدةالأمريكية للسودان برعاية الإرهاب أسهم في إيجاد تحديات كبيرة حتى بعد انفصال الجنوب. وأوضح د. الساعوري أن استخراج بترول السودان عن طريق شركات (صينية) دون الأمريكية أسهم بشكل مباشر في خلق عداءات بين البلدين. وطالب د. حسين سيد سليمان، بضرورة استثمار علاقة السودان بدول الجوار الأفريقي للإسهام في مواجهة كل التحديات وخلق بيئة استثمارية ملائمة خاصة وأن السودان أسهم بشكل إيجابي في ثورات الربيع العربي التي كانت في (تونس، لبيا ومصر