{ أحياناً تتمنع علينا الكتابة وتأبى.. ونعيش صراعاً كبيراً ما بين الالتزام والمزاج الكتابي.. فأسوأ ما في الكتابة الراتبة أنها تخرجك من حالة التداعي الكتابي لتدخلك دائرة الاحتراف حيث لا يكون عذر الغياب مقبولاً حتى لديك!! لا زلت أحتفظ بكتاباتي القديمة.. على مخطوطاتي النادرة.. التي كتبتها ذات خاطرة على (أجندات) صغيرة لم تكن تفارقني على مر السنوات والمراحل الدراسية والأمكنة.. يحلو لي أحياناً أن أعود وأتصفحها خلسةً في هدوءٍ تام.. فأضحك كثيراً على سذاجتي الكتابية ومحاوري الوردية وأفكاري الحالمة، وأندهش أحياناً للعبارات الصادقة التي تصلح قوانين للحياة... وأحزن أحياناً أخرى على وداعتي حينها وقناعاتي النقية وثقتي في الناس والزمن حيث كان كل من وما حولي بوجه واحد أو هكذا تصورت!! الآن.. أجدني أحياناً غير قادرة على لملمة حروفي لأصنع منها جملة مفيدة تصلح للقراءة لدى الجميع.. فأتلكأ في الجلوس إلى قلمي حتى يطاردني صوت (سكرتير التحرير) العزيز مستفسراً عن التأخير في (الاندياح)، حينها تكون الإجابة الوحيدة على لساني (معليش... دقايق وبصلك).. رغم أن ذهني لا يكون حاضراً ولا مزاجي معتدلاً ولا رغبة لي في الكتابة سوى أنه لا مناص... فلا يمكننا أن نترككم تنتظرون.. ولا نريد أن نفقد رضا القارئ ولو لبعض الوقت... ثم إنه الالتزام المقدس بيننا وبينكم وبين (الأهرام) كمؤسسة تستحق كل الخير والتزامنا وولاؤنا هو أضعف الإيمان. { المؤسف أن هذه الحالة العارضة التي تعتريني لأسباب داخلية أو خارجية تلقي بظلالها حتماً على ما أكتب، فكثيراً ما عدت لقراءة (اندياح) بعد الطبع فوجدتني غير راضية عنه لأنني لمحت بين السطور ووراءها ما أنا عليه من إحباط أو حزن أو قلق لا يد لكم فيه ولكنه برغمي خرج إليكم ليزيدكم هماً وكدراً على ما لديكم، أو اضطررت للاستعانة بالبريد لينوب عني بدلاً عن الاحتجاب البغيض الذي أرى فيه ما يشبه الخيانة لكم. فعفواً.. وتذكروا آدميتنا الضعيفة... وظروفنا التي تشبه ظروفكم غير إن حظنا العاثر هو الذي جعل منا أقلاماً.. تنكسر أحياناً شأنها شأن جميع الأقلام أو يجف حبرها أو تضيع!!! وقد سألني أحدهم مستفسراً عن غياب أحد الأقلام الراتبة الفاعلة الذي لم نبرره وهو ما لم يحمده لنا:(هل يعني هذا أن يستأذن الكاتب السلطة حينما يريد أن يكتب؟؟)... لم أجد إجابة محددة... فأنا لم أستأذنهم بعد ولكن ربما يفعل غيري أو أنهم يريدون من البعض أن يستأذن، فلا زلت من الذين يرون في الكتابة فعلا لعرض الأفكار وتناول الظواهر والتعبير عن المشاعر لا يشكل خطراً على أحد ولا يهدف إلا للإصلاح. { فإن غبت يوماً فهذا قد لا يكون إلا بفعل تقاعسي أو ظروفي الخاصة القاهرة... بينما قد يغيب بعض الزملاء قسراً رغم اعتدال مزاجهم ورغبتهم العارمة في الكتابة وتزاحم الأفكار والعبارات على أسنة أقلامهم المحجور عليها دون أن يطالها كسر!!! ولا تعتبوا علينا لأننا لم نبرر ذلك الغياب... فالدواعي المهنية والشأن الداخلي لا يحتمل... وليس أمامنا وأمامكم سوى الانتظار. فأعينونا بالصبر والخاطر الطيب.. ولا تحملوا علينا إن كنا يوماً دون سقف تطلعاتكم التي نصبتنا ناطقين شعبيين باسمكم.. فالهموم الحياتية المترادفة قد تكسر أقلامنا ولكنها والحمد لله لا تنال من عشقنا للكتابة، في الطقس الداخلي الوحيد الذي يخصنا.. ولا تتغول عليه سطوة حياتنا العامة لأنه كان ولا يزال وسيظل الفعل الأجمل الذي يشعرنا بإنسانيتنا ووجودنا. { قد نتوه حيناً حتى عن أنفسنا.. أو تهرب العبارات والقضايا منا.. ولكن يظل (عفريت) الكتابة مقيماً بداخلنا فقد أصابنا مسه منذ سنين ولا نريد أن نشفى من هذا الجنون الرائع الذي فتح أمامنا أبواب الحياة على مصاريعها ومنحنا أثمن ما في الوجود وهو محبتكم ومشاعركم الطيبة الودودة. وإن كان هذا لا يمنع أننا نعاني أحياناً من بعض الذين يجندون ألسنتهم وأقلامهم أيضاً لجلدنا بسياط التجريح والإهانة، وهو ما نكابده عبر المواقع الإلكترونية وقد يتسبب في تلك الحالة من الإحباط التي تحدثنا عنها أولاً التي تطال مزاجك الكتابي بالاعتكار وتقف بينك وبين استمتاعك المطلوب بما يجب أن تبدع فيه ليخرج إلى الناس فينفعهم وينفعك برضاهم. إذن.. هي حكاية متشابكة ومتصلة.. تبدأ برغباتنا الشخصية وتمر بالسياسة التحريرية وتنتهي عند القارئ العزيز.. وفي كل هذه المراحل قد تتعرض أقلامنا للكسر ولكن إلى حين فسرعان ما نعود فطرياً لنردد )القلم.. عاودني تاااانى)... والعود أحمد. { تلويح: بعضٌ منك لا يلقاك إلا في المداد..!!! هكذا النيران تدفن غبنها في حزن ذاكرة الرماد