في تسارع لافت للأحداث أعلن حزبا الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي، والأمة الإصلاح والتجديد بزعامة ابن عمه مبارك الفاضل المهدي أمس الأول «الجمعة»، توحدهما في جسم واحد، لينهيا بذلك فترة قطيعة استمرت لنحو «9» سنوت بُعيد انشقاق مبارك الفاضل عن حزب الأمة القومي في العام 2002م وتشكيل ما عُرف بحزب الأمة الإصلاح والتجديد في مؤتمر استثنائى كان مسرحه أرض المعسكرات بسوبا على خلفية اختلافه مع الصادق المهدي زعيم الأمة القومي حول مسألة المشاركة في السلطة مع حكومة الإنقاذ عقب توقيع الحزب معها على اتفاق نداء الوطن 2002م. وكانت جماهير وقواعد الحزب قد رفضت حينها رؤية مبارك الفاضل المتمثلة في المشاركة في السلطة إنفاذاً لبنود نداء الوطن الذي عاد على إثره الحزب لممارسة نشاطه السياسي داخلياً مبتعداً عن منظومة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض حينها لسلطة الإنقاذ. ولم يكن أمام رئيس حزب الأمة الصادق المهدي سوى الانحياز الكامل لصوت ونبض جماهيره ورفض المشاركة في السلطة، والتمسّك بأن تكون المشاركة إما عبر انتخابات عامة أو في إطار جامع، بيد أن زعيم الإصلاح والتجديد اعتبر موقف زعيم الأمة التفافاً على اتفاق نداء الوطن وتراجعاً عنه، معلناً في الوقت ذاته انحيازه الكامل للسلطة. اختلاف حول رؤية سياسية أدخل الطرفان في نفق الصراع السياسي والمهاترات والتراشقات التي سوّدت صفحات الصحف وصلت إلى الحد الذي دمغ فيه الصادق ابن عمه الفاضل بخيانة الحزب وموالاة نظام الإنقاذ الشمولي والخروج على المؤسسية. ليرد مبارك الفاضل الاتهام بمثله مؤكداً أن الصادق مصاب بالجمود السياسي والقصور التنظيمي وأن الحزب باتت تسيطر عليه أسرته الصغيرة. ويفتح مبارك صفحة جديدة عقب الاتفاق مع نظام الإنقاذ وتقلده منصب مساعد رئيس الجمهورية، بيد أن رياح التغيير أخرجت الرجل من القصر الجمهوري بسرعة لم يتوقعها المراقبون عندما تقطعت حبال الوصل بينه والحكومة ولم تستطع حمل طموحاته ومساجلات الإنقاذ التي قالت إن زعيم الإصلاح والتجديد يتعامل خارج مؤسسات الحكم. ولم يتوقف العداء عند هذا الحد بل تعداه إلى مداهمة قوة من جهاز الأمن والمخابرات الوطني 2007م منزل الفاضل بحجة الاشتباه في تورطه في محاولة انقلابية قضى على إثرها شهوراً رهن الاعتقال. ويرى مراقبون إن خروج الفاضل من الحكومة أفقده عدداً من قياداته الذين فضلوا البقاء في السلطة وشكلوا أحزاباً سياسية جعلت من كلمة (الأمة) عباءة وحلقة وصل تجمعها وقواعد الحزب العجوز المنتشرة على طول وعرض البلاد؛ فهناك زعيم حزب الأمة القيادة الجماعية د.الصادق الهادي، والمهندس عبد الله مسار رئيس حزب الأمة الوطني، وأحمد بابكر علي نهار الأمة الفدرالي، والأمة الإصلاح والتنمية ورئيسه الزهاوي إبراهيم مالك. { العودة لماذا؟ عاد مبارك الفاضل إلى الحزب الذي خرج منه، ويؤكد زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في الاحتفالية الاستثنائية التي احتضنها مسجد السيد الإمام عبد الرحمن بود نوباوي، أنهم توصلوا مع إخوانهم في الإصلاح والتجديد إلى «7» نقاط اعتبروا فيها لم الشمل الكامل هدفاً استراتيجياً ملزماً للتوحيد الشامل، والدخول الفوري في كافة وجوه التطبيع الاجتماعي، والالتزام ببرنامج سياسي موحد، والانخراط في تسويات انتخابية لتوحيد الموقف الانتخابي، وأنهم اتفقوا على تكوين آلية مشتركة لحسم القضايا العالقة والعمل في إطار القضايا القومية والالتزام بخط إعلامي وفاقي. ويشدد مراقبون على أن أبرز وأهم نقاط إمام الأنصار ال«7» تلك التي أعلنت أمام جماهير الحزبين موافقة الطرفين على الولوج في عملية تسوية انتخابية لتوحيد الموقف الانتخابي. وقال المراقبون إن العملية الانتخابية تعد المحرك والدافع الرئيسي لتوحد الحزبين بعد أن تكشف لهما أن إحراز نقاط في العملية الانتخابية لن يتأتّى إلا عبر بوابة التحالفات والتوحد. تقاطعات سياسية يبرز من بين ثناياها سؤال: ما الفائدة التي يرجوها زعيما الأمة من وحدة يراها مراقبون أنها جاءت في الزمن بدل الضائع والعملية الانتخابية تسير نحو خواتيمها بحسب الجدول المعلن لها؟ وسؤال آخر إلى أي مدى يمكن أن تستمر تلك الوحدة التي فرضتها حزمة تحديات تجابه الرجلين، أهمها عداؤهما الواضح للنظام القائم ومحاولاتهما المستمرة في فتح «خشم» البقرة بحثاً عن سُبل إسقاطه. ولا يستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري، د. إبراهيم ميرغني، أن يكون «الديربي» الديمقراطي المزمع أحد التحديات التي ساقت زعيمي الأمة إلى المسير في طريق الوحدة الذي بعدا عنه زمناً، مشيراً إلى أن الطرفين كانا بحاجة إلى تلك الوحدة كلٌ بحسب طريقته وأسلوبه، مؤكداً أن استمرار الوحدة أمر يتحكم فيه الصادق وابن عمه مبارك، لكنه قال «أعتقد أن الطرفان جّربا الشقاق وعرفا ما سبّبه من ضعف على الكيان ككل»، وأضاف لذلك لا أعتقد أنه اتفاق مرحلي، فالطرفان باتا يخشيان الشقاق الذي لم يكن فيه فائدة لأحدهما ولن تتأثر الوحدة بنتائج الانتخابات المزمعة من حيث الاستمرارية أو التوقف. وأكد د. إبراهيم ميرغني في حديثه ل«الأهرام اليوم» أن وحدة الطرفين ستصب إيجاباً في مصلحة الحزب من حيث القوة والثبات، مقللاً في الوقت ذاته من حجم تغول المؤتمر الوطني على أراضي حزب الأمة، وقال إن حزب الأمة يظل حزب الأمة، وربما نظر العديد من قيادات حزب الأمة من أبناء دارفور الذين انضموا للمؤتمر الوطني للمسألة من زاوية المصلحة لإقليمهم، وأضاف وحدة الطرفين من شأنها إحراز نقاط طيبة في العملية الانتخابية، وانسحاب مبارك لصالح الصادق في الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية تحكمه المصلحة أكثر من علاقة الرحم. أما حزب المؤتمر الوطني الحاكم فإن قياداته ظلت وعلى الدوام تقلل من شأن تحالف أحزاب المعارضة ضد حزبهم في الانتخابات المقبلة. ويؤكد نائب رئيس الحزب بولاية الخرطوم، د. مندور المهدي، ل«الأهرام اليوم» أن حزبهم أصبح حزب الشعب السوداني الذي قال إنه أراهم قوة الوطني في الاستفتاء الذي تم باستاد الهلال عشية تدشين الحزب بالولاية لحملته الانتخابية، وأضاف أن الشعب السوداني انحاز حقيقة للوطن ولم يتبقَ شيء للأحزاب الطائفية التي كانت موجودة في الساحة. تصريحات ربما قفزت فوق حائط الاتفاق بين حزبي الأمة وتعدته إلى كتلة أحزاب المعارضة، ولكن قد يقول قائل إن الاتفاق وتصريحات قيادات المؤتمر الوطني لا تخرج من كونها محاولات (لتكبير الكوم)، ويظل المحك الرئيسي والحقيقي صناديق الاقتراع التي تحلّق حولها شكوك التأجيل على خلفية توقيع الحكومة لاتفاق مع حركة العدل والمساواة بالدوحة.