يحتفل العالم أجمع هذه الأيام منذ الأول من مارس باليوم العالمي للحماية المدنية، أو مايعرف لدينا بشرطة الدفاع المدني وكنت قد تشرفت بأن قضيت ردحاً من الزمن بين دهاليز الإدارة العامة للدفاع المدني ومن ثم الدفاع المدني الولائي في بواكير تاريخي المهني عندما كنا ندرس بالجامعة وأخترنا هذه الجهة المؤثرة جداً والمهمة لنلتحق بالعمل فيها على سبيل التدريب على العمل الإعلامي بوحدة الإرشاد والتوجيه أو بإدارة الوقاية والسلامة الوليدة حيئذ. وأذكر حينها أن الدفاع المدني لم يكن قد شهد بعد هذه القفزة النوعية من حيث المبني والمعنى وكنا نعاني الأمرين من محاولات إيجاد جسور التواصل ما بين المواطن والإدارة إذ أن الدفاع المدني الذي جاء في أبسط تعريفاته أنه حماية للأرواح والممتلكات لم تكن الأمور بينه وبين رجل الشارع كما يجب، رغم أن المواطن العادي هو بالضرورة واحد من جنود الدفاع المدني لا ريب، كما أن عمل الدفاع المدني الفعلي قائم على التوأمة مع المواطنين وإتخاذ كافة إحتياطات الوقاية والتوعية والإرشاد وبث ثقافة التأمين والسلامة حتى لا تتحول القاعدة من حماية الأرواح والممتلكات إلى (إنقاذ) الأرواح والممتلكات بعد فوات الأوان. ولازلت أعتقد أن عمل الدفاع المدني لا يتم كما يجب ولا يجد الرعاية المفروضة ولا يزال رجل الدفاع المدني يصنف شرطياً من الدرجة الثانية، رغم أن فكرة الشرطة الموحدة قد أتت في صالحه ووازت بينه وبين بقية قطاعات الشرطة، كما أن برامج التوعية والإرشاد الوقائي لا تتمتع بالقدر الكافي من الإعلام ولا تفرد له المساحات عبر وسائله المختلفة كما أنني كنت أتمنى أن يتطور الأمر لتبدأ المؤسسات التعليمية في بث وتداول ثقافة الدفاع المدني عبر مناهجها الدراسية حتى يتمكن الجميع من تأمين كل ماهو قيم ويتعلمون كيفية التصرف السليم عند حدوث طارئ لاقدر الله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. الآن شهد الدفاع المدني نقلة كبيرة جداً. الإدارة العامة في ابهى حلة ومبناها الكائن جنوب كبري المسلمية آية في الأناقة والجمال ولكن يا ترى هل شملت هذه التطورات الملحوظة البنى التحتيه للدفاع المدني ورجاله؟ ورجاله هذه تتطلب التوقف عندها قليلاً إذ أن معظم جنود وضباط صف بل وبعض ضباط الدفاع المدني يفتقر لأبسط إمكانيات المواكبة والإلمام إذ أنه وفي وقت ما درجت معظم الأسر درجت على إلحاقه بالدفاع المدني بكل سهولة ويسر وأحياناً يتوقف الأمر على العلاقات الشخصية دون مراعاة لمعدل الكفاءة والذكاء والبنية الجسدية بينما تحظى معظم إدارات الدفاع المدني عالمياً بالإهتمام الأكبر ولا يشغل وظائفها إلا أصحاب الخبرات العالية في المجالات المتخصصة والمؤهلين لإدارة الكوارث وسرعة التحكم والتصرف السليم في زمن قياسي. في كل الدنيا الدفاع المدني يتمتع بمزايا خاصة وتفرد له مساحات رحبة من الإهتمام والرعاية وله ميزانيات مقدرة ومفتوحة أحياناً لأنه الجهة التي يعول عليها كثيراً في العناية بالإنسان وممتلكاته والمحافظة على الحياة والبنى التحتية والثروات القومية، أما لدينا فحدث ولا حرج لازالت الثقة معدومة بين المواطن والدفاع المدني والإنطباع السائد أن عربات الدفاع المدني دائماً ما تأتي متأخرة بعد فوات الأوان في حالة نشوب حريق لا قدر الله تلك العربات المتهالكة قليلة العدد والقادمة من الخارج دون أن تعرف إذا كانت مستعملة من قبل في دول العالم الأول أم أنها صنعت خصيصاً بهذا التردي لدول العالم الثالث لأن الفرق بين عربات الإطفاء هنا وهناك واضح جداً. وإذا كنت تريد أن تقف على حجم الإختلاف الكبير بين مفهوم ورجال وحال الدفاع المدني هنا وفي العالم الخارجي فبإمكانك أن تحرص على مشاهدة واحدة من الأفلام الأجنبية التي تتضمن بعض الكوارث وتهز رأسك من الحسرة. أتمنى بمناسبة الإحتفالات العالمية بيوم الحماية المدنية أن تولي جهات الاختصاص المزيد من الاهتمام للدفاع المدني من حيث المضمون والأهداف والبرامج حتى لا يقتصر عمله فقط على إطفاء الحرائق المتأخر أو إستخراج أطفال (الزنا) من المراحيض فحسب. تلويح: الدفاع المدني حماية للأرواح والممتلكات وليس تطاولاً في البنيان!