{ (الدامر تكرِّم المجذوب) عبارة يبتهج بها التاريخ وينتشي. الدامر هذه المدينة التي شيّدها المجاذيب (بالقرآن والأدب والجالوص)، اليوم يلتقي التاريخ بالتاريخ، التاريخ يُعيد نفسه، (دامر المجذوب تكرِّم المجذوب) ولا غرابة، من غير (دامر عكير) من يفعل ذلك؟، وحقيقة أن الدامر تكرِّم نفسها وتُنشِّط ذاكرة تاريخها وتُعيد أمجادها. وكل القصة أن الدامر عاصمة الولاية وذاكرة التاريخ، تُقيم هذا المساء (حفل تكريم شاهق) للأخ البروفيسور أحمد مجذوب أحمد (الوالي المنصرف)، وذلك مقابل ما قدمه (الرجل المجذوب) في هذه الفترة الوجيزة من عمر الشعوب والولايات التي شغل فيها منصب الوالي، بحيث أن الدامرالمدينة كانت بمثابة (الشاهد الأول) لعصر المجذوب، وتود في هذه الليلة أن تقول شهادتها للناس والتاريخ. رجل جاء على حين فترة من رسل الولاية فملأ الأرض عدلاً وأملاً، وأتصور أيضاً أنها فرصة طيبة أن تُدلي فيها (مؤسسة الملاذات) الجناح الولائي، هي الأخرى بشهادتها للناس والدامر والمجاذيب والتاريخ، وأنبل وأصدق وأشرف ما في هذه الشهادة، أنها تأتي والأخ البروفيسور أحمد مجذوب بعيداً عن (خزائن الولاية)، بحيث تنتفي أية علاقة وقرينة مادية، طالما كان هذا النزوع هو شغل البعض الشاغل البحث عن مثل هذه القرائن، كما أن هذه الشهادة أيضاً لا تأتي في سياق تسديد(فواتير مستحقة)، لأن المتاح من تلك العلاقة بين (صاحب الملاذات) وولاية الرجل لم تكن ذات طابع (فواتيري)، وإنما كانت ذات طابع قيمي وأخلاقي، بل إن كان ثمّة مؤسسة يفترض أن تُلاحق الرجل لتسديد بعض الفواتير المعلّقة، ربما كانت هذه المؤسسة هي (مؤسسة الملاذات الآمنة). { أستطيع أن أزعم بأن الرجل كان مجذوباً آخر في دار المجاذيب، بإضافة مجذوبية جديدة، ونجماً مجذوبياً آخر في سماء المجاذيب، وذلك إذا جاز لي تأخير هذا المصطلح بين هلالي (الأخلاق والقيم)، وأصلاً جذوة الحكم إنما تستمد قدسيتها وجذوتها من تلك الشعلة المُتّقدة، شعلة النبوّة، «إنّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق»، وعليه نستطيع الزعم (ضمن) وبين الأشهاد بأن الرجل كان (مشروعاً حضارياً وقيمياً) يتحرك بين الناس، فكل خطاباته كانت تبدأ وتختتم بهذه المعاني، غير أن أشهر ملامح عهد الرجل المجذوب هو أنه قد سعى بوعي لترسيخ (حكم المؤسسة)، حيث اختفت في عصره ثقافة الحاكم الذي يُعلن على حين نشوة، احتفالية أنه قد تبرّع (بحزمة مالية هائلة)، وخطوة هذه الثقافة تكمن في شيئين اثنين، أما أنك لا تفي بهذا الوعد الجماهيري المشهود، فتستخرج الجماهير (شهادة كذب) لكل حكومة المشروع، أم أنك تدفع هذا المبلغ من حساب مشروع آخر، وتصبح في هذه الحالة حكومتك كالمُنبتة (لا أرضاً قطعت.. ولا ظهراً أبقت)، غيرَ أن الأخ المجذوب (الوالي المنصرف)، قد وظّف خبرته وعلاقاته كوزير مالية سابق في محاولة فك (حصار شح الامكانات)، فاتجه لاستقطاب استثمارات خارجية، وبهذه الثقافة يمكن لولاية مثل ولاية نهر النيل في فقرها (وقلة حيلتها)، ولاية لا تستطيع أن تقف على رجليها دون أن تسند يديها على كتف المركز، كان يمكن أن تنهض دونما مساندة من حكومة المركز، وذلك بعد أن تزدهر هذه الاستثمارات ويأتي خراجها، وبالتأكيد أن هذا (التيم المتناسق) الحالي يستوعب هذه المضامين، غير أن العبرة مؤجلة لحكومة ما بعد الإنتخابات.. الله وحده أعلم بها، لا يفوتني أن أذكر، أن من ثمرات اقترابنا من حكومة السيد المجذوب هي هذه الإصدارة (النيل اليوم)، لتبقى واحدة من قيم البِّر والتواصل معها، وأن نجعل هذه الشُّعلة مُتّقدة، فالعهد الذي بيننا وبينه هو (النيل) الصحيفة، والنيل الولاية، والنيل الإنسان، والنيل التاريخ والثورات والبطولات و.. و.. تتعدد الأسباب والتجارب الإنسانية الرائعة لا تعمِّر طويلاً، فلقد راهنت كثيراً أمام الأشهاد والمنتديات أن (الرجل الفكرة) هو بمثابة (فرصتنا الأخيرة) للنهوض، فرصتنا الأخيرة لرفع رؤوسنا باتجاه الشمس، ولكن لأمر (ساس يسوس) شأن آخر. أخي أحمد المجذوب سلام لك في اللاحقين المجتهدين الصادقين.. والحمد لله رب العالمين