هل تشبه التوقعات التي تسبق دخول «القفص الذهبي» واقعه وحقيقته؟ أم أنها أشبه بالقصور المبنية على الرمال، والتي سرعان ما تنهار وتنمحى صورتها الجميلة ما إن يلامسها الماء؟ قبل الزواج تكون التوقعات في أوج حلاوتها.. وبعده يهزم الواقع كل الأحلام التي علقت على سقف الأماني، فيدخل البعض زمن المفاجآت غير السارة فلا نكاد نجد إلا ازواجاً وزوجات محبطين، معظمهم يلقون باللائمة على الزواج وعلى الذين لم يحدثوهم عنه كما يجب ولا هم حذروهم من مغبة التجربة، في حين تفاؤلهم الزائد وتوقعاتهم المبالغ فيها تكون هي السبب الحقيقي وراء الصدمة لأنهم آثروا المغامرة الشخصية ولم يكتفوا بالنتائج التي سبقتهم وهذا ما يثبت مقولة: «أسمع تفرح، جرب تحزن»! الكثير يملك الزوج وحده مفاتيحه مما يجعل انتظار العريس مريراً وطويلاً ومليئاً بالآمال والتوقعات الجميلة في ظل الموروث الاجتماعي الذي يصور لهن الزواج على أنه الحلم العزيز الذي يجب ألا يحلمن بسواه بحيث بدا الزواج وكأنه السبيل الوحيد إلى السعادة، فتظل الفتاة في ترقب دائم لهذا الفارس القادم على صهوة جواد أبيض ليحملها بعيداً إلى حيث المرح والفرح و«الفسح» والبهجة والزينة والهدايا والراحة الكبرى. ولا تلبث الفتاة «الحالمة» أن ترى الأمر مجرداً من كل هذا الإبهار وتبدأ في التنازل شيئاً فشيئاً عن امنياتها العذبة فلا خروج دائم ولا سفر ولا رومانسية مفرطة ولا هدايا ولا تدليل و«خيبة الامل» عبارة لا ترتقي الى مستوى المشاعر المريرة التي انتابت معظم الفتيات اللائي وجدن أنفسهن في الزواج متورطات يوماً بعد يوم في هموم الحياة وتكاليف الزوج ومشاغل البيت ثم رعاية الابناء بكل ما تشتمل عليه من رهق ومعاناة واشكالات تتطلب اليقظة الدائمة. والأمر لا يقتصر على الجنس اللطيف فحسب فالعديد من الأزواج الرجال هم ايضاً ضحايا توقعاتهم عن الزوجة الرائعة الرقيقة المثيرة الراقية والحانية، ويعتقدون أنك بحصولك على زوجة، تكون حصلت على أم بديلة وطباخ ماهر وصديق عزيز وأنثي فاتنة، حتى اذا ما انقضى شهر العسل اكتشف الزوج شيئاً فشيئاً انه تزوج إلى جانب ذلك وكيل نيابة وموظف ضرائب وحارس شخصي، وأنها قد تناست كل وعود التفاني والحنان والمؤازرة وأصبحت مجرد إمرأة تقليدية رتيبة ومملة وأحياناً باردة. وهكذا.. كثيراً ما تغادر كل الوعود التي تقاسمها الخطيبان والتي خرجت يوماً من القلب تغادر من النافذة، وربما لا يكون ذلك متعمداً أو عن سوء نية ولكنها سنة الحياة، والحياة مراحل لكل مرحلة منها أسلوب معين وشكل معين ومرحلة الحب والوله والقلوب الواجفة والأشواق المستعرة والأحلام الوردية هي مرحلة تقود إلى مرحلة الارتواء والأمان والسكينة والاطمئنان والوقار وهي مرحلة الزواج، ولأن الروايات العاطفية التي قرأناها يوماً والافلام السينمائية والأغنيات التي تحيط بنا قبل الزواج تخلق بأعماقنا عالماً وردياً وارف الظلال تكون احباطاتنا عظيمة حين تكتشف ان مؤسسة الزواج مؤسسة عادية تفوح منها رائحة البصل ويسمع بها صوت الشخير ويجوز للمرأة بها ان تبدو على طبيعتها بلا مساحيق أو زينة وبشعر «منكوش» أو «مكعك» مثلما يجوز للرجل ان يصحو من النوم في صورة «مزرية وبأنفاس كريهة» و«يبصق» في أي مكان وربما اكتشفت احداهن بعد الزواج أن زوجها يعاقر «التمباك» أو إكتشف هو ان زوجته العزيزة ثرثارة ولا تجيد الطبيخ. ولكن الأمر يكون قد انقضى وكل هذا الاحباط لا يمكن أن يكون سبباً في نسف هذه المؤسسة أو إبادتها ولكن يمكن التعايش مع الوقائع المنطقية ومحاولة تجميلها والبحث عن تفاصيلها المميزة والقيمة فاذا كانت كلمة «بحبك» ليل نهار من زوج لزوجته تعتبر منطقياً ترفا عاطفيا خصوصاً في مجتمعنا المتحفظ هذا فلا بأس من ان تبعث بها إلى زوجتك في رسالة قصيرة عبر الجوال في ذكرى زواجكم التي أرجو ان تتذكرها... وإذا كنت بالمقابل لا ترغبين في غسل رجلي زوجك بالماء والملح وتدليكهم عند عودته من العمل فلا أقل من ان تسمعيه كلمة «يديك العافية» عندما يدخل عليك منهكاً وهو يحمل كيس «الرغيف» بعد يوم «طويل من العمل المضني» .. لأجلكم. ٭ تلويح: الزواج مدرسة تعلم الزوجين ابجدية التنازل عن الأحلام..