واضح جداً أن معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية التي وقعها في 26 مارس 1979م بالولايات المتحدةالأمريكية الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيجن، لم تجتث بعد التعلق المصري بالاسلام ولا الارتباط الحميم بالعروبة ولا التظاهر المؤيد للقضية الفلسطينية. وأحدث تلك التظاهرات التي اندلعت من يومين أمام جامعة القاهرة واشترك فيها طلبتها وطلبة جامعات عين شمس والأزهر وحلوان منددين شاجبين الممارسات الاسرائيلية المستفزة، ومنها قرار بناء ألف وستمائة وحدة سكنية في القدسالشرقية واعتبار الحرم الابراهيم أثراً اسرائيلياً والحفر تحت المسجد الأقصى.. والخ. إن ضمير مصر الخالدة المؤمنة العربية لم ينم ولن ينام أبداً، ومن اللافت أن يأتي الرفض الشعبي للاجراءات الاسرائيلية من بلد كان الأكثر تعرضاً للتشكيك في عروبته بل وحتى في اسلامه.. ألم يقل الشاعر «إن صلاة مصر أصبحت عبرية أي يهودية».. وكان كاذباً، وأعذب الشعر أكذبه!!. والحقيقة أن الموقف المصري الشعبي كان منذ معاهدة السلام رافضاً للتطبيع.. أو أن حماسه له كان قليلاً.. فالصراع العربي الاسرائيلي أو اليهودي عمره مئات بل ألوف السنين، ولا يمكن أن يتم حله في بضع سنين. لقد خرج التعبير الشعبي الرافض للاجراءات والسياسات الاسرائيلية من مصر التي اعترفت بإسرائيل، وليس من أي من الدول التي لم تعترف بها!! وما أكثر ما يمكن استنتاجه ومنه أن العروبة في مصر راسخة.. وأنها من الثوابت وأن الانحياز الى الحق الفلسطيني مستمر وأن الاسلام لا خوف عليه في مصر.. فهي مؤمنة منذ اخناتون وهي مؤمَّنة كما جاء في القصيدة العذبة التي نظمها الشيخ البرعي.. ونحن ندرك أنه ليس بالتظاهرات وحدها تسترد الحقوق، لكن حدوثها في مصر أمر يُسعد ويُطمئن وذلك لظروف مصر الخاصة التي يجب على الحادبين على الصالح العربي أن يراعوها.. ومازال الموقف العربي العام ضعيفاً لكن اليأس ليس وراداً على الاطلاق. وفي النهاية، فإنه لا يصح إلا الصحيح.. إن الاحتلال الاسرائيلي مؤقت وامتلاك العرب للقوة ممكن. وكنا في السودان من أكثر الشعوب استجابة لما يجري في فلسطين ولكن يظهر هذه المرة أن الانتخابات شغلتنا وشغلنا معها الحر الفظيع الرهيب.