استقبلتنا مدينة الدبة بالولاية الشمالية وهي تدخل لتوها في غسلٍ بالغبار، أو تيمُّم بالرمال الناعمة استعداداً لأداء فريضة الديمقراطية الحاضرة، ليؤمها في ذلك الصباح وفدٌ من مرشحي الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، يتقدّمهم مرشّحه الرئاسي حاتم السر، ومرشح الدائرة القومية (4) طه علي البشير. ولم تكن تلك الرمال المتدفقة - بأي حال - مانعاً لمئات الاتحاديين من الخروج في مسيرة نصف الساعة لاستقبال وفد المرشحين القادم من الخرطوم، فاختاروا أن تكتسي أسنانهم بطبقة من ذرّات الغبار (المضرّس) وهم يهتفون متوسلين الله إطالة عمر زعيم الختمية محمد عثمان الميرغني، عبر هتافهم المحبّب (عاش أبو هاشم). { سرادق وفتاوى الدبة.. أكثر من (3) ملايين نسمة .. شوارع مكسوة بالرمل وأخرى بالأسفلت.. بيوت من الطين في مواجهة بنايات حديثة طُليت ألوان جدرانها بعناية.. وسوق شعبي لا يخلو من عراقة.. يجاوره ملعب كرة القدم اتُخذ جانب منه مكاناً نصب فيه الاتحاديون خيمتهم لتدشين حملتهم الانتخابية، فرفرف صيوانها بكل عنف احتجاجاً على ذلك الغبار الذي اجتاح المدينة، دون أن يلتفت لرفرفته أحد، ففي تلك اللحظات ليس ثمة ما هو مقدس عند الاتحاديين سوى تجليات وتبريكات مولانا الميرغني التي حملها وفد حزبه الزائر، فأحالت هجير شمس الدبة إلى نسيم عليل، على حد إحساس العم علي، الترزي، ذي الميول الاتحادية، حينما داعبتُه وهو يجلس خلف ماكينة الخياطة في دكان بالقرب من مكان الاحتفال، من ثم شاهدته مجدداً وسط خيمة الحفل ضمن آخرين، متدثراً بشعارات الختمية، يرفع يديه لبيعة مولانا الميرغني على التصويت لصالح مرشحي الاتحادي الأصل حينما تلاها خليفة الختمية بالمنطقة، ثم أفتى غيره لاحقاً بجواز قبول الأموال التي يقدمها المؤتمر الوطني لاستمالة الناخبين دون أن يكون ثمة إثم على من يقبلها وانتفع بها - على حد قول الفتوى. { مناوشات وحفل التدشين في بداياته شهدت باحة الميدان المجاور لخيمة الاتحاديين، أحداث شغب محدودة بين مناصرين للحزب الاتحادي وآخرين تشير هتافاتهم التي رددودها، وأفرع الاشجار التي يلوحون بها استفزازاً للاتحاديين، تشير لانتمائهم للمؤتمر الوطني. طالت تأثيرات تلك الأحداث (5) من الاتحاديين أُصيب منهم (2) بجروح طفيفة، بينما أوقفت الشرطة (3) آخرين في أعقاب تدخلها لإنقاذ الموقف، وفتحت في مواجهتهم بلاغات توطئة لمحاكمتهم يوم غد الأحد، قبل أن تطلق سراحهم بعد نحو (3) ساعات، ليعود خمستهم محمولين على الأكتاف كأبطال يدفعون ضريبة التحول الديمقراطي، ليكون الباب بعد ذلك مفتوحاً أمام المرشّح «حاتم السر» لينال من المؤتمر الوطني بإدانته للحادث ويعتبره امتداداً لما وصفه بهمجية الحزب الحاكم، ووجّه مناصريه بقطع الطريق أمام فوز الوطني عبر تشديد الرقابة على صناديق الاقتراع، منعاً للتزوير الذي يراه ديدناً له، ولم يتورع من السخرية والتهكم على رمز المؤتمر الوطني الانتخابي، فقام بإسقاط جزء من السيرة الدينية لأبي البشرية آدم في الجزء المتعلق بخروجه من الجنة، وقال: «إن الشجرة أخرجت أبانا آدم من الجنة، فلا تقربوها لتخرجكم من السودان»، ليلحق به في موكب الإدانة المرشح للدائرة القومية (5) مروي عبد الحكم ود إبراهيم، ويهدد عبر قسم غليظ بتحريك إجراءات قانونية في مواجهة أعضاء المؤتمر الوطني الذين تسببوا في أحداث الشغب، لتعقب ذلك حالة من الهياج والثورة أطل من خلالها طه علي البشير خطيباً يحشد كلماته بسمت بلاغي يتلذذ به الاتحاديون، ويعلن عن تبرعه ببناء مستشفى لغسيل الكلى، رداً لدين واجب السداد تجاه المنطقة، وحرص طه على ألا يكون المستشفى جزءاً من حملته الانتخابية، وكشف عن رفضه الترشح لمنصب والي الخرطوم ومنصب والي الجزيرة واختار بدلاً عنهما الإنابة في البرلمان عن مواطني الدبة إحقاقاً للدفاع عن حقوق صلة الرحم التي تربطه بالمنطقة، ومن ثم دلف للتقليل من إنجازات الحكومة في بناء سد مروي، وقال إن سد مروي الذي يصدح به المؤتمر الوطني، قد وضع حجر أساسه الزعيم الراحل أحمد الميرغني قبل عشرين عاماً، على أن يُبنى من حر مال الشعب السوداني. وشن هجوماً على فكرة القرض الذي بني به السد وقال إنه يرهن إرادة الشعب السوداني لسنوات قادمات. فيما حذر المرشح لمنصب والي الولاية الشمالية الدكتور أبو الحسن فرح من مغبة استغلال المادة (206) من الدستور في نزع أراضٍ بالولاية الشمالية لصالح أشخاص من المؤتمر الوطني - على حد اتهامه، وتوعدهم بالملاحقة وكشف أسمائهم لوسائل الإعلام. { الاتحاديون أيضاً يلعبون الكرة.. ويغنون وجدت حملة الاتحاديين الانتخابية بالدبة، مشاركة رياضية مقدرة من قدامى لاعبي كرة القدم بفريق الهلال، الذين أتوا لمناصرة طه علي البشير بوصفه رئيساً سابقاً لناديهم، تقدمهم لاعب الثمانينات محمد محيي الدين الديبة، الذي خاطب الجماهير إنابة عن زملائه بكلمة قصيرة كشف فيها عن انتمائه السياسي للحزب الاتحادي، ثم قاد زملاءه مبارك سلمان وعبد المعز جبارة الشهير ب «صبحي» وكرار أبو علي وآخرين في مباراة لكرة القدم كجزء من برنامج تدشين الحملة. كما وجدت الحملة مشاركة غنائية صدح فيها ملك الطنبور صديق أحمد بمصاحبة فرقته، ضمنها أغنيته ذائعة الصيت «تظهر نتائج العام وتكون من الناجحين».. ربّما- نقول ربّما- كانت تلك بعض أمانيه للاتحاديين!!