تعليقاً وتعقيباً على ما كتبناه بهذه المساحة تحت عنوان (شكراً وداد بابكر) اتصلت علينا الأستاذة سامية الحويج من بنك التنمية التعاوني الإسلامي متحدثة بكل مرارة عن المُسنين ولماذا يُرمى بهم في دار العجزة بعد أن غاب الدين وغابت الأخلاق وتناسوا كما قلنا قول الله سبحانه وتعالى «ولاتقُل لّهما أُفٍ». الأستاذة سامية أضافت لماذا تأوي الدولة العجزة؟ مؤكدة أن هذه في حد ذاتها تكون دعوة للأبناء لصرف النظر عن الآباء طالما أن الدولة ستكون البديل والراعي الأول لهم في غياب الأبناء! وقالت أن لديها كذلك رأي صريح فيما يتعلق بإيواء الأبناء مجهولي الأبوين. وقالت إن هذه دعوة للمزيد من العمل اللاأخلاقي طالما أن الدولة توفِّر لهم المأوى المستقر والأمن بدار المايقوما.. أيضاً طالبت في ذات الوقت بضرورة أن نتبنى هذه المقترحات حتى نخلق مجتمعاً متماسكاً (انتهى). الأستاذة الحويج كانت منفعلة جداً وهي تتحدث معي وقد وعدتها بالكتابة وهانذا أفي بما وعدت ولكني في ذات الوقت أقول لها بأن ثمة خلاف بيني وبين ما طرحته من أفكار.. فأنا مع إيواء الدولة للعجزة. فأنتِ تؤكدين ضرورة عدم الإيواء ولكن أقول لكِ أين سيذهب هؤلاء العجزة بعد أن طردهم الأبناء وهم في أعمار كما ذكرنا أقلها ال (70) عاماً أين سيذهب هؤلاء؟ هل إلى الشارع العام؟ وأي شارع هذا الذي سيرحِّب بهم؟ من أين يأكلون؟، وأين ينامون؟، ومن الذي يدفع لهم روشتة العلاج مع الوضع في الاعتبار بأن هذه الأعمار في حاجة لرعاية صحية بنسبة (100%) لأن الأمراض قد تكون كثيرة جداً مع تقدم السن؟ وكما قال لي والدي متعه الله بالصحة والعافية (نحن يا بتي عايشين بقطع الغيار) ويقصد هنا الأدوية والعلاجات. نعم الكبار يعيشون الآن (بقطع الغيار) وفي حاجة يومياً للدواء. إذن.. من الذي سيذكِّر هؤلاء بمواعيد حبة الضغط، أو جرعة السكري؟، من الذي سيعطيهم كوب الماء؟ من الذي سيوفِّر لهم الغطاء في الشتاء القارص؟ ومن الذي سينبِّههم لمواعيد الصلاة خاصة وأنهم قد لا يسمعون النداء؟. من الذي سيقوم بكل هذه الأعمال في ظل غياب الأبناء الذين تناسوا من أخرجوهم للحياة وأوصلوهم إلى المراحل المتقدمة وهم يرتادون أرفع المناصب ويسكنون أعلى المنازل ويتباهون بأولادهم وزوجاتهم متناسين المثل الدارفوري الذي يقول (التسوِّي في والدك خيّاك يسوي ليك). ومادام الأمر كذلك، فإن الدولة هي المسؤول الأول عن هؤلاء وقد كان بعد أن وفرت لهم المأوى ووفرت لهم كل شيء مثل دار العجزة والمسنين .. يا سبحان الله أصبحنا نتنكّر لأجمل شيء في الحياة هم الوالدين.. الدنيا أنستنا ونسينا أن الجنة تحت أقدام الأمهات! ونسينا أن أسماءنا مقرونة باسماء الآباء الذين تنكرنا لهم أختي سامية!.. ورمينا بهم في دار العجزة حتى ننعم من بعدهم بحياة مستقرة بعيدة عن المشاكل إذ أن البعض يرى أن وجود الآباء في حياته قد يسبّب مشاكل جمة، لذا فإنه يتجرأ بأن يتلفظ معهم بألفاظ بعيدة كل البُعد عن الأخلاق الإسلامية والتعاليم التي غرسها فينا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يضرب لنا أروع الأمثال لكي يغرس في دواخلنا حب الوالدين حينما سُئل في الحديث الشريف «من أحق الناس بحُسْن صحابتي؟ قال أمُك. قال ثم من؟ قال أمُك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أبوك». فهذه رسالة نبعثها لكل من تفوّه بكلمات غير لائقة في حق والديه، ولكل الذين كانوا السبب الأول والأخير في أن يلجأ والديهم لدار المسنين.. ذهبوا للدار من أجل الرعاية والعناية ومن أجل الإبتعاد عن المشاكل.. ذهبوا من أجل أن يجدوا من يقول لهم نحن تحت خدمتكم وحاضر يا ماما وأمرك يا بابا. والأذّان أذّن. ودي مواعيد الدواء.. من أجل ذلك كانت الدولة الراعي لهم. أما اللُّقطاء والأطفال مجهولي الأبوين، فإن الحديث عنهم بحاجة إلى مساحة أخرى.