بينما كانت الحافلة تسير بسرعة اعتيادية ارتجت مقاعدها بسبب «الحفر» المتكاثرة في طريق اللعوتة المعيلق وسقطت الطفلة «هاجر» من حجر أمها لتصطدم بمقدمة المقعد وتحطم أسنانها. تباينت خطوط الغضب بمحيّا الوالدة وارتسمت معالم الغبن والحنق بين عينيها قبل أن تتمتم بعبارة لها علاقة بالمشهد العام وتقول في نبرة حزينة: «هو طريق الجن دا ما قالوا بكملوه قبل الانتخابات»! سرعان ما فتحت العبارة باب الجدل وسط الركاب؛ البعض يتهم المؤتمر الوطني بولاية الجزيرة بخداع الجماهير وقتل مشروعات التنمية والبعض، الآخر يتساءل بغضب: هل يريدوننا أن نرفع السلاح ليفاوضونا حول حقوقنا المضاعة؟! المشهد برمته له ظلال متداخلة مع قضايا أخرى واتهامات للمسؤولين هناك باللامبالاة إزاء معاناة الناس وجراحهم التي يقاسونها. طريق المسيد المعيلق أبو عشر هو أحد أهم طرق التنمية في ولاية الجزيرة، وقد أجيز في الخطة السنوية للعام 2003، وبعد عمل التقديرات والخرط وفتح المسار أصدر الرئيس البشير قراراً بإدخاله ضمن الخطة القومية للطرق وأجيزت ميزانيته، ولكن ثمة من عبث بها كما تشير لجنة الطريق في بعض تقاريرها، ولم يطرأ أي جديد بعدها حتى شعر الناس بأن وراء الأكمة ما وراءها! بعبارة أخرى يطل التساؤل: هل ثمة من يعمل لتعطيل قيام الطريق الذي يبلغ طوله حوالي (44) كلم، بمحاذاة خط السكة حديد شرقاً، ذاك الذي يربط الخرطوم ومدني والترعة الرئيسية لمشروع الجزيرة القادمة من خزان سنار من جهة الغرب؟ ويظل كذلك الاستفهام بخصوص ميزانية الطريق التي تسلمتها الولاية قبل أعوام يطارد المسؤولين: أين ذهبت، وهل سيتحول هذا الطريق إلى مادة للمزايدة السياسية بعد أن عفّرته سيارة الدكتور الترابي وعدد من قيادات المؤتمر الوطني في أيام متتالية وأصبح بمثابة الجرح الذي «يتاور» الكثيرين كلما صبوا عليه مزيداً من الزيت! قبل الانتخابات بأيام وأثناء الحملة الدعائية تواصل العمل في الطريق لدرجة أن الشركة المنفذة قامت بسفلتة أقل من كيلو، وجاءت تصريحات معتمد الكاملين الأستاذ عبد المنعم الترابي بأن المرحلة الأولى سوف يتم إنجازها قبل الانتخابات، وبمجرد أن أعلنت نتيجة فوز مرشحي المؤتمر الوطني سُحِبت الآليات وتوقف العمل تماماً، مما خلف حالة من الغليان والسخط وسط مواطني شمال غرب السكة الحديد والقسم الشمالي الذين وجّهوا عبر «الأهرام اليوم» اتهامات مباشرة لوالي الجزيرة «الزبير بشير طه» بالمماطلة وخداع الناخبين عندما وعدهم بمسارعة الجهود لإكمال العمل.. وعبّروا عن غضبتهم من خلال التعجّب: «طرق بعض الولايات وهي بمئات الكيلومترات تُشيّد في يسر وكأنها شربة ماء، وطريق طوله 40 كلم يقُوم له نَفَس ولاية الجزيرة ولا تكمله رغم مرور عدد من السنوات عليه، على الرغم من الكثافة السكانية غير المقارنة مع تلك الولايات وكذا الحركة الزراعية والتجارية»؟! الطريق بحسب ما عبّر مواطنو تلك البقاع كان في الأصل مسار طريق الخرطوم مدني في تصميمه الأول، غير أن نفراً من أهل الكاملين طلبوا من الرئيس إبراهيم عبود أن يغيّر لهم مساره ليمر بالكاملين، والقرى التي على شاطئ النيل الأزرق، وهو مطلب كان البعض يرى أنه غير عادل وسوف يتسبّب في تلك دمار المنطقة! من جانبهم طالب عدد من المغتربين من أبناء منطقة شمال غرب الجزيرة المسؤولين في الولاية وعلى رأسهم البروفيسور الزبير بشير طه، بالإسراع في تكملة طريق بحري الجزيرة الذي يربط المسيد بطريق الخرطوم مدني، ومن ثم يمتد من طريق ألتي اللعوتة اللحجاج، حتى مستشفى أبو عشر، مروراً بمدينة المعيلق التي كانت تشكل رئاسة المجلس الريفي الشهير، الذي قُسّم وصار ضيقاً وكثرت فيه الحوادث التي أودت بحياة المئات من الأبرياء، وفي نفس الاتجاه يرتِّب مواطنو منطقة المعيلق بالجزيرة لرفع مذكرة لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير احتجاجاً على ما أسموه بالمماطلة في تنفيذ طريق المسيد المعيلق أبوعشر. وقال المواطنون ل «الأهرام اليوم» إن العمل توقف في الطريق منذ أكثر من عام دون أسباب جوهرية وتم استئنافه قبل أيام من الانتخابات، ليتوقف بالمرّة بمجرد إعلان النتيجة وتسحب الاليات! وحمّل المواطنون والي الجزيرة المنتخب الزبير بشير طه والشركة المنفذة، مسؤولية ما أسموه بالتسويف والمماطلة، مضيفين أن هذا الطريق بالإضافة إلى أنه سيقلّل نسبة الحوادث في المسارات الأخرى فهو أيضا سيربط أماكن الانتاج في المنطقة بأماكن الاستهلاك في أنحاء البلاد، وسوف يختزل الوقت والمسافة في حالات الطوارئ الصعبة التي تتطلب إسعافاً سريعاً للمستشفيات الكبرى بالعاصمة القومية، بالإضافة إلى أنه سوف يربط المنطقة بالتجمّعات السكنية الكبرى على نهر النيل في فصل الخريف الذي عادة ما تعيق الأمطار حركة النقل والسفر خلاله.. كما أنه من شأنه أن يساعد في تقليل الضغط على العاصمة القومية وذلك بتمكين العاملين بها من سكان المنطقة من العودة إلى مدنهم وقراهم في نهاية الدوام اليومي. هي إضاءة أولى نحاول من خلالها تسليط الضوء على ملامح القضية التى كادت تتسبب في أزمة سياسية بمقاطعة الانتخابات وتهديد بعض المسؤولين بالطرد والمحاسبة في حالة سقوط المزيد من الضحايا بسبب صعوبة التنقل في المنطقة وكتم أنفاسها!