{ أحياناً يبلغ بي الغضب حداً من الاندفاع أتمنى فيه أن أنفجر كالبركان فأنسف كل شيء، وكثيراً ما كنت لا أستطيع السيطرة على نفسي لأكبح جماح غضبي في اللحظة المناسبة فتجدني في حالة دائمة من العصبية والغيظ والإحباط والصدمة في الآخرين، ولأنني كنت الخاسر الأكبر لأن هذا الغضب كان يرهق أعصابي وبدأ يؤثر على صحتي سلبياً وعلى علاقتي بأبنائي وزوجي والمقربين؛ قررت أن أتعلم التسامح، رغم أن العفو عند المقدرة ميزة تتطلب أن يكون الإنسان قوياً وصبوراً وحليماً وهي صفات لا يمكن اكتسابها لأنها غالباً تنمو مع الفطرة، إلا أنني قررت أن أتعلم التسامح وأكتسبه كما يجب؛ لأعيش في سلام داخلي وأجنِّب نفسي الأمراض والصدمات والبكاء على الخذلان. { وأكتشف شيئاً فشيئاً أن التسامح نعمة، فعندما تتسامح مع الآخرين؛ فأنت تختار الراحة والسعادة لذاتك، وتتعلم التجاوز عن صغائر الأمور التي قد تحيل حياتك إلى جحيم من القلق والغضب. إن الحياة لا تستحق المزيد من المعاناة والتشدُّد والحسابات المقننة، فالمرونة ورحابة الصدر وتفهُّم الآخر وافتراض الأعذار والصبر على البلاء؛ مضامين تعطينا مساحة أكبر من الأريحية والهدوء الداخلي. { إذن، لا بأس من بعض «التغافل» والتغاضي عن الأخطاء وكأننا لم نلحظها كشرط أساسي لحياة متوازنة، وبما أن العلاقات البشرية في الأصل نسيج متداخل من المشاعر الإنسانية المتوثبة، والغرائز السلبية، فمن الصعب أن نحصل على الجانب المشرق والإيجابي في الشخص دون سواه، ونلغي الجانب الآخر، فالإنسان كيان واحد لا يتجزأ وعلينا أن نقبل كل مَن في محيطنا على علَّاتهم، لأن بنا أيضاً عِلَّات عدة، وتبدر من الجميع أخطاء كثيرة، متعمدة أو غير متعمدة، ولا بد أن نتفهم أن الملائكة في السماء فقط. وهذه الواقعية في التعامل ستجعل علاقتنا مع الآخرين مستقرة وطويلة العمر. { فتعالوا نجرب معاً ممارسة التسامح قدر الإمكان، لنجعل من الأمر مشروعاً لأيامنا القادمة، ونروِّض أنفسنا عليه. سيبدو الأمر عسيراً في البداية؛ لأن الشخص منا بطبيعته يبحث عن الكمال، ويتوقع من جميع المقربين منه أن يكونوا على مستوى توقعاته، وقد يشعر بخيبة أمل كبيرة حين يكتشف أن الواقع لا يعكس تماماً الأمنيات، وربما يؤدي الشعور بالخيبة إلى النفور والتباعد والقطيعة أو الحسم والمشاجرات والاحتداد. بينما الفطرة تؤكد أن الجميع يخطئ وقد نتصرف أحياناً بشكل يزعج الآخرين ولكننا نرى أخطاء غيرنا وننسى أخطاءنا، والعدالة تتطلب منا أن نضع أنفسنا في مكان الآخرين، وننظر للأمور بمنظار التسامح وليس بمنظار الحاكم والجلاد. { وهكذا يعلمنا التسامح أن نحب الآخرين ونصفو لهم، ويعلمنا كيف نحب أنفسنا ونرأف بها، وندرك أن للكلمة الطيبة مفعولاً يتجاوز حدود اللحظة الآنية، وأن النسمة الرطبة تطفئ نيران الغضب الهائلة ربما قبل أن تشتعل، والعفو والاعتذار كلمتان سحريتان تقربان المسافات وتؤلفان بين القلوب المتنافرة وفي نهاية المطاف نحن بشر وتغلبنا مشاعرنا، فنرجح كفة العاطفة على كفة المنطق. فلنجعل التسامح مبادرة لكل يوم، ولا بأس إذا ما اعتقد الآخرون أن تسامحنا هذا ضعف منا، لأن الواثقين في أنفسهم أقدر على التسامح. ابحث عن القواسم المشتركة مع الآخرين وانظر لنصف الكوب الممتلئ وتجاوز نقاط الاختلاف بضحكة. { وكلما نجحنا في التسامح، كلما اكتشفنا كم هي الحياة بسيطة وضئيلة، وكم نحن باجتهاداتنا وشرور أنفسنا وربما من غير قصد نشوّه معالمها ونفسد جمالها، فدعونا نمارس التسامح مع أقرب الناس، تسامحي يا عزيزتي مع زوجك، تجاوزي مثالبه وتقصيره وابحثي عن مكامن الطيبة والإخلاص والشهامة بأعماقه، وقابلي ثورته بهدوء، وتغاضي لتشعريه بالندم وتنالي استحسانه. وتسامح يا عزيزي مع زوجتك، قدّر أوضاعها النفسية ومتاعبها التي قد تؤثر سلبياً على أعصابها، حاول أن تحتويها وتذكر أن الأنثى كائن ضعيف يحتاج فقط لكلمة طيبة ليصبح أليفاً ومطيعاً ومتفانياً. إن أقل ما تستحقه هذه الحياة شيء من الحب، والمزيد من التسامح. تلويح: مسامحك يا حبيبي.. مهما قسيت عليّ وقلبك عارفو أبيض.. وكلك حسن نيّة