رفضت السلطات التشادية مساء الأربعاء الماضي السماح لزعيم حركة العدل والمساواة المتمردة د. خليل إبراهيم الدخول عبر أراضيها إلى الأراضي السودانية، وأوقفته لقرابة ال18 ساعة بمطار إنجمينا داخل الطائرة التي إقلته من ليبيا، وبحسب إفادات د.خليل نفسه ل(الأهرام اليوم) فإن السلطات التشادية صادرت جوازات سفره ومن معه، وأتلفتها ورفضت مرورهم إلى دارفور، موقف وجد الإشادة والترحيب من قبل الحكومة السودانية التي أكدت أنه يأتي في إطار التزام إنجمينا باتفاقها مع الخرطوم العام الماضي بمنع أي حركة تمرد من استخدام الأراضي التشادية ضد السودان. وكان خليل وصل مطار إنجمينا قادماً من العاصمة الليبية طرابلس بعد اختتام زيارة للقاهرة الأسبوع الماضي، تزامنت مع زيارة وفد حكومي برئاسة مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع، ووجدت زيارة رئيس العدل والمساواة للقاهرة انتقادات من الخرطوم التي جددت مطالبتها بالقبض على زعيم العدل والمساواة عبر البوليس الدولي بعد أن يئست من عودته إلى منبر التفاوض بالعاصمة القطرية الدوحة. وبجانب الموقف التشادى الواضح غير المرحب بحركة خليل؛ فإن القاهرة لم تنف ما راج عن أن السلطات المصرية طلبت الاثنين الماضي من زعيم حركة العدل والمساواة مغادرة أراضيها، وأنها أمهلته ساعات قليلة لمغادرة القاهرة، ليتحرك بالفعل منها إلى الجماهيرية الليبية التي وبحسب تسارع الأحداث لم يمكث بها طويلاً قبل أن يتجه نحو إنجمينا التي ردته إلى طرابلس، لتحط طائرة الخطوط الجوية الأفريقية (الليبية) برئيس العدل والمساواة والوفد المرافق له داخل الأراضي الليبية، ولكن مصادر دبلوماسية ليبية أكدت أن طرابلس أخطرت خليل إبراهيم بأنها لن تسمح له بإقامة طويلة على أراضيها، وأن عليه تفهم دوافع الموقف الليبي وتقديره. وقالت معلومات إن مقربين من رئيس العدل والمساواة أكدوا أن خليل ومساعديه فشلوا في عقد لقاءات مع مسؤولين ليبيين كبار، وأن السلطات الليبية كانت قد أمرت الطائرة التي تقل خليل بالنزول في مطار صغير وبعيد عن مطارها الدولي، يسمى (معيتيقة)، وأنها ضربت على رئيس العدل والمساواة ومن معه سياجاً أمنياً وأقلتهم إلى فندق شبه مهجور بذات المنطقة، واتبعت معهم إجراءات ارتبطت بحركتهم، مما أدى لتذمر زعيم العدل والمساواة والوفد المرافق له. وانقسم المراقبون إزاء مواقف الدول الثلاث ما بين مشكك ومصدق، فالفريق الأول يرى أن الأمر لا يعدو أن يكون تكتيكاً سياسياً لا سيما أن الدول الثلاث تجاهلت طلب الحكومة السودانية بتسليم خليل إبراهيم عبر البوليس الدولي، وأشاروا إلى أن قيادات العدل والمساواة ظلت على الدوام تتحرك من وإلى مصر بحرية، وتمارس نشاطها السياسي عبر منابر القاهرة، وأن الاتهامات طالت طرابلس وإنجمينا بإفرادهما مساحات واسعة لحركة قيادات العدل والمساواة جيئة وذهاباً داخل أراضيهما، ودعم العدل والمساواة في هجومها على أم درمان 10 مايو 2008، الهجوم الذي أوقع عشرات القتلى في صفوف القوات النظامية السودانية. أما الفريق الآخر من المراقبين؛ فذهب إلى أن ما يجمع مصالح مصر بالحكومة السودانية لا يمكن مقارنته بعلاقاتها مع العدل والمساواة، وأشاروا إلى ملفات قضية حوض النيل والاستثمارات الاقتصادية المشتركة، بالإضافة إلى الاستفتاء على مصير الجنوب المزمع في الأول من يناير 2011 وتأثير الانفصال السلبي حال التصويت عليه على القاهرة، وعدد من الملفات الأخرى تضع مصر في موقف لا تستطيع معه السباحة بصورة واضحة عكس إرادة الحكومة السودانية، لا سيما في ملف دارفور. ورأوا أن موقف إنجمينا يمكن النظر إليه من زاوية القوات التشادية المتمردة التي استطاعت الخرطوم إيقاف تهديداتها بصورة غير مسبوقة، وإبقاءها في عدد من المعسكرات بإقليم دارفور، بجانب المحاولات لإيجاد تسوية شاملة بينها وإنجمينا. وأوضحوا أن طرابلس وإن بدا عليها أنها مع حركة العدل والمساواة؛ إلا أنها لا تستطيع الخروج عن المنظومة الإقليمية، وحتى الدولية، لا سيما أن الزعيم الليبي هاجم في مناسبات عدة حركات دارفور واتهمها بعدم الجدية. وقطع المحلل السياسي، الناشط في شؤون دارفور عبد الله آدم خاطر بأن العدل والمساوة ورغم اتهاماتها بعدم حيادية المنبر، ستتجه إلى الدوحة. لكنه قال إن الأمر لا علاقة له بالضغوط الإقليمية، وإنما لأن هناك التزاماً من جانب رئيس الحركة د. خليل إبراهيم في أديس أبابا (نوفمبر 2006) مع الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي بمواصلة الحركات الرافضة لاتفاقية أبوجا مايو 2006 في العملية التفاوضية، بجانب التزامه أي خليل بمنبر الدوحة من واقع الاتفاق الإطاري الذي وقعه مع الحكومة في الدوحة. ورأى خاطر في حديثه ل(الأهرام اليوم) أن ما يحدث من كافة الأطراف الإقليمية بما فيها الحكومة والحركة لا يبتعد عن التكتيك ومحاولة كسب الوقت. وأوضح أن نجاح منبر الدوحة يجب أن يبنى على قاعدة الربح لجميع الأطراف. ودافع عن الموقفين الليبي والمصري، قائلاً: كلاهما مدركان لأهمية السلام في دارفور، واتفقا على أن تسعى طرابلس للم شمل الحركات وأن تعمل مصر في مجال تنمية الإقليم. ونوه إلى أن مصر استضافت مؤتمر المانحين، وأن الأطراف اتفقت على أن يكون منبر التفاوض في الدوحة، وأن كل طرف مشى خطوات في المسار الذي اختط له. وقال إن استمرار التوترات الأمنية في الإقليم لها تأثيراتها السلبية على الدول الثلاث، لذلك ليس من مصلحة أي واحدة منها استمرار الاقتتال في دارفور. قراءة تتسق ورؤية حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي رفض تسمية موقفي مصر وتشاد في التعامل مع خليل إبراهيم (تكتيكاً) أو (فهلوة)، قبل أن يسارع بالقول إنه ربما تكون هنالك أسباب لعدم استجابتهم بما فيهم دولة ليبيا لطلب تسليم خليل. وأكد المسؤول السياسي للحزب البروفيسور إبراهيم غندور في حديثه ل(الأهرام اليوم) أن مثل هذه القضايا لا تحتمل الفهلوة. وعلق (أن ترفض دخول شخص متمرد لأراضيك، وأن تطلب منه مغادرتها وحرمانه من جواز سفر كنتَ منحته له؛ لا يمكن أن يكون موقفاً تكتيكياً أو فهلوة). وأوضح أنهم سيأخذون الأمور بظاهرها لأنها مواقف داعمة لخط الدولة في الحل السلمي لقضية دارفور، وفي إطار العلاقات القوية والإسترتيجية بين السودان وهذه الدول. ويبدو من ذلك أن الحزب الحاكم مطمئن نوعاً ما لمواقف تلك الدول الثلاث في الضغط على رئيس العدل والمساواة لإرجاعه إلى طاولة التفاوض في الدوحة أو التوقف عن تقديم الدعم له ليكون بين مطرقة العوز وسندان ضربات الحكومة العسكرية التي كانت أعنفها طرد قوات العدل والمساواة من منطقة جبل مون نقطة إدارة الحركة لعملياتها العسكرية. وأكدت مصادر أن الوسيط المشترك جبريل باسولي وعدداً من القيادات الليبية أبلغوا خليل هاتفياً إبان وجوده بمطار إنجمينا بأن الدوحة هي المنبر الوحيد للتفاوض وأن عليه العودة إلى طرابلس وهناك ستوفر له وثيقة سفر بواسطة الأممالمتحدة حتى يغادر إلى الدوحة الأمر الذي دفع خليل إبراهيم لأن يشدد على وجود (مؤامرة) من تدبير الحكومة التشادية والوسطاء الدوليين ضد الحركة لإجبارها على العودة إلى محادثات السلام المتعثرة مع حكومة السودان التي تستضيفها قطر. وأوضح أنه رفض أن يتم نقله جواً إلى قطر كما اقترح فريق الوساطة المشتركة، قبل أن يكيل الاتهامات لمنبر التفاوض ويصفه بغير المحايد. وكشفت مصادر (الأهرام اليوم) بطرابلس أن مشاورات تجري لإقناع خليل بضرورة العودة للمفاوضات في الدوحة، وأن رئيس العدل أبدى موافقة مبدئية وأنه اشترط وقف العمليات العسكرية التي قال إنّ قوات الحكومة تشنها على قواته، وأن تلعب الوساطة دوراً محايداً في العملية التفاوضية. إذن، أيام تفصلنا عن موعد استئناف المفاوضات بقطر، 27 مايو الجاري، بعد توقعات بمغادرة خليل إبراهيم إلى الدوحة لاستكمال عملية التفاوض إلا أن ما تبقى من أيام لن يكفي لترتيب أوراق الأطراف المعنية بالملف مما يجعل تمديد الموعد المضروب يعد الخيار الأفضل مقارنة بموقف خليل المشكك في حيادية ونزاهة المنبر نفسه.