المدن والأماكن تسكن لأسمائها الأولى، ترتاح في صباحاتها أو مسائها، لا للأسماء الحداثية التي تُبتدع من أجل المجاملات السياسية أو الاجتماعية، إذ تفتحت عيوننا على قرى ومدن أطلقت أسماؤها «عفو الخاطر»، سواء على شيخ أو امرأة، مثل النخيل، وما يدهش حقاً؛ أن الأسماء الجديدة نجدها لا تلبس الصفات أو السمات التي تفتحت من أكمام هذه المدن، على سبيل المثال لا الحصر مدينة «كوبر»، سميت ب«عمر المختار» رغم أن أهلها أو كماسرة «الحافلات» ينادونها ب«كوبر»، وهذا اسم قديم، فقط على جنبات الحافلات يكتب «عمر المختار». ويندرج مثل هذا على كثير من المدن والشوارع والأماكن التي ارتبطت بالإنسان في زمانٍ ومكان. «الأهرام اليوم» حاورت بعض من التقتهم، فجاءت إجاباتهم متجانسة وتصب في بحر واحد. { أشياؤنا فطيرة قال قريب الله أحمد الفكي «صراحة إن من يخططون لمثل هذه الدوافع كان من الأجدى لهم أن يستبينوا آراء (الناس المقيمين) في المدينة المعينة، ومن ثم يطلق عليها الاسم الجديد حتى يتوافقوا معه». وأبان أن هذا يحدث كما يحدث في تخطيطنا، فكل أشيائنا تولد «فطيرة»، لذلك تموت بسرعة. ووافق قريب الله في الرأي أبو القاسم يس، فأبان أن من دواعي التعجب أن تسمي شيئاً ما، باسم لا يستقيم معه، وتعاند في أن تجد «فيلاً» وتصر على تسميته ب«ديناصور». وأشار إلى أن ما يحدث مجرد ارتباك في التسميات، كما التخطيط عندنا. أما الزاكي محمد المصطفى فأوضح أن الإبحار في هذا المجال لا تخرج منه «بعود وقود» نافع، فطالما أننا نتسرع دائماً في تسمية مدننا أو شوارعنا، في تخطيطها، فهذا يعطي مؤشراً بأننا لا نجاري ما يحدث حولنا. وأضاف أن المدن القديمة تظل بأسمائها لأنها تؤرخ للمرحلة التي عاشتها، وبالتالي تعد تراثاً قومياً، ولكن لا أدري لماذا الخلط في مثل هذه المعايير؟ من جانبه تحدث الباشمهندس طلال عباس الحسن قائلاً: إنه فهم سياسي أو اجتماعي لذا محاولة التغيير هي وكأنك تحاول حفر جبل بأظافرك! وأشار إلى أن التسميات للمدن الجديدة لا تجد أذناً صاغية لأنها دخيلة ولا تشبه ثقافتنا، فيمكن تسمية مدينة مثل «رأس كديس» ب«السعادة»، و«أضان التور» ب«الواحة»، ولكن تظل الذاكرة منحوتاً عليها الاسم الأول بنقش من ذهب لا تمحوه الذاكرة الجديدة مهما كان الإغراء. وألمح طلال إلى أن الأسماء التي سميت بها هذه المدن لم ترسخ في أذهان قاطنيها لذا وجب الرجوع بها إلى عهدها الأول. أما سلمى محمد موسى فأبانت أن وضع أسماء جديدة لمدن أو شوارع صار لا يجدي، فالاسم القديم يظل منحوتاً في الذاكرة ولا فرار منه. وأشارت إلى أن هذا يعد تزيفاً للتاريخ وطمساً للهوية، وبقدرما يقصد به التجديد والتحديث إلا أنه لا يساوي الماضي ولو دفعت فيه مليارات من الجنيهات. وعلى ذات السياق قال د. حاتم أحمد السر - باحث أكاديمي إن الدخول في قواميس هذه الفكرة يخلق دلالات جديدة في ابتداع لا يشبه ما سبقه. وأبان أن طمس أو تغيير الاسم يعد تزييفاً للتاريخ بلا شك، أما السياسي فيرى أن هذا يخلق تغييراً، إلا أن الاسم يظل ثابتاً في الذاكرة الشعبية. مشيراً إلى أن التسمية الجديدة للمعالم لن تقوى أمام الاسم القديم لذا لا بد من مراعاة ذلك؛ لأن الاسم القديم غير أنه تراث فهو ثقافة استمدت ظلالها من الموطن الذي جاءت فيه. وطالب د. حاتم أن تظل المعالم بأسمائها القديمة يعد إرثاً قومياً لا بد أن نحافظ عليه لتعرف الأجيال القادمة ما يحويه من معان.