٭ كنت دائماً أتساءل وأنا أتفرس في كل القوائم والمنابر والواجهات والبرلمانات في منطقة شرق النيل، وأجدها تبدأ بالشيخ «الطيب الغزالي» وتنتهي برجل الأعمال التاريخي السيد «الطيب النص»، كنت أتساءل، ولا زلت، ألا يدري هؤلاء القوم أنهم بهذه الثقافة يحطمون أدبيات «تعاقب الأجيال» ويصادمون الطبيعة والفطرة باعتقال التاريخ في محطة بعينها؟ وكنت أشفق أكثر على هذين الرجلين القياديين الطيبين «الطيب الغزالي والطيب النص» كنائبين تاريخيين في كل الملمات والبرلمانات لهذا الشرق الآسر، فالرجلان الآن يذهبان إلى السبعين والبرلمان القادم، في وقت واحد، وبخطى حثيثة، ومشيناها خطى كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطى مشاها، وما أتصوره أن برغم زهد الرجلين في احتكار هذه الأدوار عبر البرلمانات والعهود، إلا أن جهة بعينها لا تدعهما يذهبان إلى التقاعد الطوعي أو الإجباري، فهذه الثقافة تحدث «احتباساً سياسياً وفكرياً» وانسداداً جيلياً، وكانت الإنقاذ أولى من غيرها بفتح الطرق والمسارات أمام الأجيال القادمة، فما ذكرت النيابة هنا في هذا الشرق الآسر حتى طفق بعضهم يردد الآية الكريمة «لولا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظيمٍ». ٭ وللذين يقرأون بتطرف، ويستوعبون بصخب، فأنا لست ضد الرجلين، بل ومن أكون أنا حتى أقف في وجه «أمير المغاربة» وحفيد «صقر البرزّن» الشيخ بن الشيخ الطيب الغزالي؟ أو أقف أمام وجه الملياردير رجل البر والإحسان والأعمال ابن العيلفون البار الطيب النص؟ ولكننا نحاول أن نناهض ثقافة «تعطيل التاريخ» وأدبيات الاحتباس السياسي، هذه القنبلة التي لو انفجرت فسيكون أول ضحاياها هم صانعوها في حزب المؤتمر الوطني، فلو سد التاريخ والمستقبل أمام هذه الأجيال فستهرب لا محالة إلى أطر سياسية وفكرية أخرى تؤمن بحتمية تعاقب الأجيال وتداول الأدوار والمواقف. وقد لا تقتصر هذه الحالة على شرق النيل، فأتصور أن لكل ضاحية «طيِّبها»، قصة البطل التاريخي والحاشية الجماهيرية و.. و.. ٭ وإن لم يتمكن الدكتور عبد الرحمن الخضر تماماً من زحزحة «جيل حنتوب» من برلماناته، الاتحادي منها والتشريعي، عبر خيارات حزبه الشورية وكلياته الاستشارية؛ فعلى الأقل إن الرجل تمكن من أن يحدث اختراقاً هائلاً لهذه الثقافة في جهازه التنفيذي، فتستطيع أن ترى هذه الاختراقات وأنت تقرأ في تشكيلته الحكومية أسماء مثل دكتور ياسر الطيب الفادني معتمد شرق النيل، كأصغر معتمد في أكبر معتمدية، أعني ثقافة «الكبر عتياً» التي ترزح تحت وطأتها هذه المحلية أكثر من غيرها، وتقرأ أيضاً في تشكيلة الولاية أسماء الأستاذ حسن الجعفري معتمد أمبدة، والدكتور أبو كساوي في أم درمان، وبريمة حسب النبي في الجبل، وغيرهم من جيل المعتمدين الشباب، ومن الوزراء الشباب أيضاً وزير التربية «حمِّيدة»، الشاب الطموح الذي خسرته نهر النيل وكسبته الخرطوم، ولا أدري وحكومة السيد الفريق الهادي عبد الله تستورد لنا بعض الكوادر الوزارية، في ولاية عرفت تاريخياً بتصدير «الرطب والكوادر والتاريخ»، لا أدري هل دارت في خلدها شخصيات مثل «حميدة» وغيرهم من شباب الولاية، لا سيما أن «مطبخ الولاية» هنا في الخرطوم، حيث يقطن السيد محمد أحمد حميدة! ٭ غير أن حكومة الخرطوم التي خلت تشكيلتها من «المستشارين» بحجة تقليل المصروفات والمخصصات، هي بالأحرى تنوء بعشرة من المستشارين غير الدستوريين الذين يضطلعون ببعض الملفات، وبرغم «الحمولة المالية الباهظة» التي تكلفها هذه الجيوش من المستشارين فهم ينتقصون أيضاً من صلاحية بعض الوزارات، وهذا موضوع مهم جداً نرجو أن نعرض إليه في حين آخر. ٭ أكتب هذا المقال بمناسبة حضوري احتفال استقبال الأخ الدكتور ياسر الفادني معتمد شرق النيل بعد «إعادة الثقة» وإعادة تعيينه لهذه المحلية التي «تنوء بالشيوخ»، وذكر الرجل الفادني في خطابه لقيادات المحلية «حزمة مرتكزات» خدمية وسياسية وأمنية وفكرية، والرجل يومئذ مدرك لأبعاد وظيفته وتعقيدات محليته، إلا أن أعظم إنجاز «لبعثة ياسر» هي أنه ينتمي «لهذا الجيل» قبل أن ينتمي لمشيخة الفادنية، والمأمول أنه يمتلك عبقرية مخاطبة قضايا هذه الأجيال، التي قد لا تسعف فيها الذاكرة جيل حنتوب.. أو قل لو أسعفتهم الذاكرة ربما تخذلهم الإرادة والحركة والاستيعاب. ٭ أخي الدكتور ياسر، نبايعك على إقامة «مجاري الأمطار»، وجمهرة مستشفى شرق النيل وفتح أبوابها أمام المساكين، نبايعك على سن قانون تقاعد جديد للعمل العام على ألا يتجاوز عمر النبوة، ونحن على عهدنا ما دامت «عربة النظافة» تصلنا في مضاربنا ونجوعنا... وللبيعة والحكاية بقية..