«علي عثمان» يملأ المقعد (الخالي) في قمة فرنسا وأفريقيا .. ويجدِّد رفض السودان للجنائيَّة @@@@@ هل باع الإيطاليُّون مدينة «نيس» للفرنسيين مقابل شحنة «مكرونة»؟! { عصر الخميس الماضي هاتفني الأخ الأستاذ «ناجي علي بشير» مدير المكتب الصحفي برئاسة الجمهوريّة، هذا الشاب النشط والخلوق، ليبلغني باختيار «القصر الرئاسي» لشخصي لمرافقة السيّد نائب رئيس الجمهوريّة الأستاذ «علي عثمان محمد طه» إلى فرنسا ضمن وفد السودان الرفيع المشارك في القمة الأفريقية الفرنسية رقم (25) المنعقدة بمدينة «نيس» على ساحل البحر الأبيض المتوسط. { تهيأتُ للسفر سريعاً، لأهمية الدعوة وأهمية الداعي (نائب الرئيس)، ولأنّها ستكون المرة الأولى التي أزور فيها فرنسا. { وفد نائب الرئيس ضمّ الدكتور «غازي صلاح الدين عتباني» مستشار رئيس الجمهورية، الفريق مهندس «محمد عطا المولى» مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، «لوال دينق» وزير الدولة بوزارة المالية والدكتور «مطرف صديق نميري» وكيل وزارة الخارجية. ولصغر حجم الوفد و(صفويّته) علق أحد الأصدقاء قائلاً: (ده وفد علماء كبار)!! { أقلعت الطائرة الرئاسيّة «فالكون» - وهي للمصادفة فرنسية الصنع أيضاً - حوالي الثانية والنصف ظهر «الأحد» المنصرم، وضمت إلى مقاعدها السفير «عبد الوهاب الصاوي» من الإدارة السياسية برئاسة الجمهورية، وهو من الناطقين بالفرنسية وعمل دبلوماسياً لفترات طويلة في باريس ودول فرانكفونية أخرى، كما ضم الوفد مدير مكتب نائب الرئيس بمجلس الوزراء «بشير الترابي»، ونائب مدير المراسم «بابكر الشريف»، والأخ الدكتور «ياسر محجوب» رئيس تحرير الزميلة (الرائد)، وشخصي الضعيف، واثنين من أفراد الحراسة والتأمين. { قرار مشاركة السودان في القمة جاء متأخراً بعد جدل طويل داخل أروقة مركز القرار بالدولة، حيث كان الخيار الأول هو الاكتفاء بتمثيل السودان على مستوى سفيرنا في باريس الدكتور «سليمان مصطفى»، بسبب الموقف الفرنسي الداعم للمحكمة الجنائية الدولية، لكن الرئاسة قرّرت مؤخراً المشاركة بفاعلية في القمة، خاصةً أنها تشمل جميع الدول الافريقية، فقد جاء إليها (51) وفداً من جملة (53) دولة أفريقية. { قرار المشاركة جاء استناداً إلى أن العمل بسياسة (المقعد الخالي) بصورة مستمرة يُضعف وجود السودان على المستوى الدولي، إذ سيكون هنالك مقعد (رئاسي) مخصص للسودان بالقمّة، وسيكون خالياً في حالة المقاطعة. { وانتهز الأستاذ «علي عثمان» فرصة مشاركته في القمة لإرسال رسالة قوية إلى القيادة الفرنسية خلال لقائه الخاطف بالرئيس «ساركوزي»، واجتماعه الموسع بمسؤولين فرنسيين على رأسهم الأمين العام لرئاسة الجمهورية، في توضيح وتأكيد موقف السودان الثابت من المحكمة الجنائية، فقد ذكر لهم أن (السودان متمسك بموقفه المبدئي الرافض للتعامل مع المحكمة الجنائية، وأنه إذا كان لفرنسا التزام تجاه المحكمة فهذا التزام يخصها، ولا يخص السودان، وعليها التعامل مع الحكومة السودانية على هذا الأساس لدعم السلام في دارفور، والوحدة في جنوب البلاد). { ويرى نائب الرئيس، حسبما أبلغ «الأهرام اليوم» في حديث خاص على هامش القمة بأحد صالونات قصر «أكروبوليس» مقر القمة، يرى أن فرنسا تبحث عن (طريق ثالث) للتعامل مع السودان يخرجها من مأزق مساندتها للمحكمة الجنائية. { الرئيس «ساركوزي» صافح «علي عثمان» أثناء استقباله له قُبيل الجلسة الافتتاحية ظهر الاثنين (31/ مايو)، والتقطت مئات الكاميرات صورة الاستقبال، كما رصدتها أجهزة التلفزة العالمية، وشاشات البث المباشر الملحقة بالمركز الصحفي الضخم بقصر مجاور لمقر القمة. { كان وزير الخارجية «برنار كوشنير» يقوم بواجب استقبال الرؤساء عند نزولهم من السيارات، فيما يستقبلهم «ساركوزي» في صالة بالطابق الأرضي بالقصر رائع الفخامة، ليأخذ معهم صوراً تذكارية، ثم تقودهم المراسم على البساط الأحمر إلى صعود الدرج الدائري الطويل المؤدي إلى قاعة المؤتمر. وقد لاحظتُ أن رئيس السنغال «عبد الله واد» (84 عاماً) قد لاقى معاناة في صعود الدرج، الذي يرهق الشباب، فما بالك بالذين بلغوا من العمر عتياً أمثال زعماء افريقيا والعالم العربي. لكن الغربيين، في فرنسا وغيرها، يعتقدون أن جميع شعوب العالم تمارس الرياضة في كافة الأعمار، مثلما هم يفعلون، وخلال زيارتي الأخيرة إلى مدينة الضباب «لندن»، كنت أقضي أوقاتاً طويلة في التنزُّه بحدائق «هايد بارك»، وهي في نظري إحدى عجائب الدنيا، وكان ذلك بصحبة الصديق الأستاذ «محمد الفاتح أحمد» وحرمه السيدة «احتشام عبد اللطيف»، وكنا نرى نساء الإنجليز، وهن في سن السبعين، والثمانين، يمارسن رياضة الجري ويرتدين (الشورت) و(التي شيرت)!! ذات المشهد تكرر على شاطئ «نيس» العجيب على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ففي شاطئ يسمى (نزهة الإنجليز)، حيث كان السياح البريطانيُّون يرتادونه قُبيْل أن يتعرف عليه الفرنسيُّون في القرن التاسع عشر، رأينا - أيضاً - نساء متقدمات جداً في العمر يركضن على الشاطئ، فعلّق أحدهم قائلاً، مشيراً إلى إحداهن ونحن بالسيارة مروراً عابراً: (والله العُمُر دي في السودان زمان ماتت وشبعت موت)..!! { «نيس» مدينة ساحرة الجمال، وقد كانت تحت قبضة «إيطاليا» حتى العام 1860م، ثم تجدد احتلالها بواسطة القوات الإيطالية عام 1943، ثم عادت إلى الأحضان الفرنسية عقب إجراء استفتاء على تقرير المصير، وتقول نكتة شعبية تعليقاً على عودة «نيس» للسيادة الفرنسية، رغم ثورات الانفصاليين الإيطاليين بالمدينة، إن (الايطاليين باعو «نيس» للفرنسيين مقابل شراء سفينة مكرونة إيطالية)!! ويا لروعة (الاسبجاتي)..!! تُرى ماذا عندنا - في الشمال - لنقدمه للانفصاليين الجنوبيين ودولة يوغندا، لتسمح «الحركة» و«الجيش الشعبي» للمواطنين في جنوب السودان بأن يمارسوا حقهم بحرية وشفافية لتغليب (خيار الوحدة)..!! على أية حال، حكومة الجنوب ليست لديها (مكرونة) لنشتريها.. ولا يوغندا..!! { المشاركة المصرية في القمة كانت على مستوى رفيع وكثيف، حيث شارك الرئيس «حسني مبارك» في ترؤس القمة مع الرئيس «ساركوزي» باعتبار أن مصر كان يفترض أن تستضيف القمة، فتم نقلها إلى فرنسا، كما تم الإعلان عن استضافة مصر للقمة القادمة عام (2013م)، وكانت تسريبات إعلامية قد عزت القرار المصري بالاعتذار عن استضافة القمة إلى الحرج الذي ستواجهه بين الموقفيْن (الفرنسي) و(السوداني) تجاه المحكمة الجنائية، لكن مندوب وكالة الأنباء السودانية «سونا» الذي غطى فعاليات القمة، الشاب المهذب «عبد الرحمن البشير»، داعب أحد الزملاء من الصحفيين المصريين قائلاً: (الرئيس البشير برضو سيكون حاكم - إن شاء الله - سنة 2013م.. فماذا ستفعلون؟!).. { الرئيس «مبارك» جاء إلى «نيس» بصحبة قرينته السيدة «سوزان»، يرافقه وفد ضخم، ضم عدداً كبيراً من رؤساء تحرير الصحف المصرية - الرسمية طبعاً - وعلى رأسهم رؤساء تحرير (الأهرام)، (الأخبار)، (الجمهورية)، (روز اليوسف)، وغيرها من الصحف والمجلات، وقد كان الصحفيون المصريون يملأون مقاعد كثيرة بالمركز الصحفي، وكان معظمهم يكتب المقالات والأخبار على أجهزة الكمبيوتر التي يزدحم بها المركز الصحفي، ويتابع - عبر التلفونات الدولية المتاحة بالمركز - الأوضاع بصحفهم في القاهرة، باستثناء الأستاذ «أسامة سرايا» رئيس تحرير «الأهرام» الذي يبدو أن مساعديه من المحررين يقومون بهذه المهمة الشاقة.. وفي كل الأحوال فإن رئيس تحرير «الأهرام» (حاجة تانية) في مصر، بغض النظر عن قدراته وإمكانياته. { الفرنسيون كانوا كرماء جداً مع الصحفيين، فالمركز الصحفي يحتوي على العشرات من أجهزة الحاسوب، وعشرات التلفونات الثابتة بخطوط دولية تعمل طوال اليوم، كما ضم المركز قاعة ضخمة أكبر من أية صالة أفراح بالخرطوم، لتناول الوجبات الفاخرة على (بوفيه مفتوح). الزميل «ياسر محجوب» رئيس تحرير «الرائد» قال لي: (هنا فقط أثبت الفرنسيُّون أنهم أكثر كرماً من الخليجيين في المؤتمرات)..!! { وربما الكرم تمدّد أكثر بالنسبة للصحفيين، فدول العالم المتقدم - دائماً - تحترم الصحفيين، لكن الفرنسيين استضافوا بالفنادق خمسة أشخاص فقط من أعضاء كل وفد رسمي، فيما تكفلت الحكومات الافريقية بمصروفات بقية الوفود، أما الدعم الفرنسي الذي خرج به المؤتمر فجاء ضعيفاً إذ بلغ (300) مليون يورو لعاميْن في الفترة من 2010م إلى 2012 !! نائب الرئيس الأستاذ «علي عثمان محمد طه» علّق ل (الأهرام اليوم) قائلا: (إنه مبلغ ضئيل، وقد قلت لأحدهم نحن نصرف في السودان (120) مليون دولار على موسم زراعي واحد، فماذا يفعل هذا المبلغ لكل افريقيا لدعم الزراعة؟!). نواصل