الكلام الذي يصدر من حزب الوفد المصري أو من جريدته التي تحمل اسم الوفد عن ثورة يوليو 1952م وعن قائدها المقدم جمال عبدالناصر، لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه من الحقائق، فما بين حزب الوفد وثورة يوليو 52 الكثير مما لا يمكن نسيانه أو غفرانه، وهو يشبه إلى حدٍ ما ذلك الذي كان بين الحزبين الكبيرين التاريخيين الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة، وبين ثورة مايو 69 التي تزعّمها العقيد جعفر نميري. وما أكثر الأسباب التي تجعل ما بين الطرفين الوفد وعبدالناصر من جانب، والاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة ونميري من جانب آخر، مما لا يمكن نسيانه أو غفرانه، مع ملاحظة أن عبدالناصر فاوض الوفديين عند بداية الثورة وأن جعفر نميري صالح الحزبين الكبيرين منتصف السبعينيات أو أنهما صالحاه! لكن الذي في القلب بقيَ في القلب سواءً هناك في شمال الوادي الخالد أو هنا في جنوبه. وقبل يوليو 52 ومنذ ثورة 1919م كان الوفد هو حزب الحركة الوطنية في مصر واستمر حزبها في عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات وأول الخمسينيات وكان هو الحزب الفائز في أية انتخابات حرة نزيهة، وكان يُقال عن شعبيته الكاسحة إنه لو رشّح الوفد حجراً لفاز، وكان رئيسه الأول سعد زغلول زعيماً آسراً كاريزمياً ساحراً خطيباً بليغاً يحفظ الناس خطبه ليس في مصر وحدها، وإنما في السودان. والحقيقة أن البلدين كانا من وجهة النظر الرسمية والشعبية المصرية بلداً واحداً وكانا بلداً واحداً أيضاً بالنسبة لقطاعات مؤثرة داخل السودان وهي القطاعات التي فجّرت ثورة 24 ثم أسست في ما بعد الحركة الاتحادية التي كانت توصف بالحركة الوطنية، وكان الرئيس الثاني لحزب الوفد هو مصطفى النحّاس الذي كان زعيماً وطنياً محبوباً. لقد كان هذا الحزب على مدى أكثر من ثلاثة عقود هو حزب الحركة الوطنية، وهو مالئ مصر وشاغل المصريين، ثم يأتي مقدم مغمور ومعه رواد ومقدمون مغمورون أكثر منه ليحيلوا الوفد بجلالة قدره إلى متحف للتاريخ، وأحالوا معه حكم أسرة محمد علي والاستعمار البريطاني. كيف ينسى الوفد وكيف يغفر ما حدث في يوليو 52؟ وكان الختمية والأنصار منذ مطلع القرن الماضي وتحديداً منذ الحرب العالمية الثانية التي نشبت عام 14 وانتهت عام 1918م هما أكبر قوتين دينيتن اجتماعيتين في البلد، ثم تمخض عنهما في النهاية ما اصطلحنا على تسميته بالحزبين الكبيرين التاريخيين وكان لأحدهما أو لهما معاً القِدْح المعلى في تحقيق الاستقلال. ثم يأتي فجر 25 مايو 69 عقيد شاب ورواد أكثر شباباً ليحيلوا ذلك كله إلى متحف التاريخ. إن الوفد لن ينسى ولن يغفر أبداً ما فعله المقدم عبدالناصر، ولن ينسى الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة أبداً ولن يغفرا ما فعله جعفر نميري صباح 25 مايو 69. ولذلك فإن ما يصدر من الوفد عن عبدالناصر ومن الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة عن جعفر نميري لن يكون كلاماً موضوعياً عقلانياً، والأسباب كما هو واضح معروفة؟