بالمرسوم الجمهوري الذي أصدره رئيس الجمهورية المشير عمر البشير الأسبوع الماضي ارتفع عدد الوزراء ووزراء الدولة الى (77) وزيراً في تشكيلة الحكومة الجديدة، مقارنة ب (66) وزيراً في الحكومة السابقة، منهم (35) وزيراً بزيادة (5) وزراء عن الحكومة الفائتة، و(42) في منصب وزير دولة، بزيادة (6)، في وجود توقعات أن تمتد الزيادة لتصل نوّابا ومساعدين و(19) مستشار سابقا لرئيس الجمهورية. ولم تبتعد لوحة الجهاز التنفيذي المعروضة عما أعلنه نائب رئيس المؤتمر الوطني د. نافع علي نافع برفضهم القاطع تشكيل حكومة قومية بمشاركة الأحزاب التي قاطعت الانتخابات، وقال للصحافين في التاسع عشر من أبريل الماضي، عقب اجتماع للمكتب القيادي برئاسة البشير: «لا ترضية لأي شخص أو كيان علي حساب العملية الديمقراطية، وليس هنالك أي اتجاه أو تفويض أو حتى عرض لتكوين حكومة قومية. وتشكيل الحكومة الحالية وفق ما أعلن عنه بهذه العددية غير المسبوقة من الوزراء سيخلق عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة، خاصة إذا ما أُدمجت به مخصصات الولاة ووزراء الولايات والمعتمدين، فهو الأكبر من حيث العدد مقارنة بحكومات دول القارة الافريقية وحتى الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا، حيث لم يتجاوز طاقم وزراء الحكومة الأمريكية (15)، بالاضافة لسبعة مستشارين، و(21) لنظيرتها البريطانية، فيما بلغ عدد وزراء الدولة المصرية (27)، مع ملاحظة أن نظام الحكم في السودان فيدرالي، ما يعني أن كثيراً من المهام والمسؤوليات تضطلع بها حكومات الولايات! القوى السياسية المعارضة، ومن فورها، وجّهت انتقادات حادّة للتشكيل الجديد، وأوضحت أن السودان بوصفه الحالي ليس في حاجة لهذا العدد الكبير من الوزارات، وأشارت إلى أنها كانت تتوقع تقليص الكابينيت لا زيادته. الأمة القومي قال في بيان له الأربعاء الماضي إن الحكومة جاءت مترهّلة وأضيق قاعدة من سابقتها لناحية التأييد السياسي، وأعلن عن ترتيبه لإنشاء (7) منابر قومية أشار إلى أنها ستكون ترياقاً جماهيرياً مضاداً لاحتكار القرار في أيدي التسلط والقهرالشمولي. ولا يحتاج المراقب لجهد عناء وتدقيق نظر ليكتشف أن مخرجي الحكومة الجديدة قد جنحوا - على الرغم من تأكيدات د. نافع بأنه لاترضيات على حساب الانتخابات - لنوع منها، وخلق الموازنات داخل (الوطني) من جهة، وحلفائه من الأحزاب والحركات الأخرى، بما فيها (الشعبية) من جهة أخرى، مع تثبيت مبدأ عدم مشاركة الأحزاب التي قاطعت العملية الانتخابية كالاتحادي (الأصل)، الأمة، الشيوعي، الشعبي وعدد من الأحزاب الأخرى. ويلاحظ ارتفاع نصيب دارفور من السلطة بصورة غير مسبوقة منذ مجيء الانقاذ، مع التوقعات بأيلولة منصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية مرة أخرى لمناوي.. فقد نالت دارفورعلى مستوى الجهاز التنفيذي الاتحادي (10) وزارات، منها (5) وزراء و(5) وزراء دولة، حيث شغل منصب وزير المالية القيادي بالوطني علي محمود، ووزارة الشؤون البرلمانية شغلتها الأستاذة حليمة حسب الله القيادية بالوطني، ووزارة العدل جلس على دست وزارتها محمد بشارة دوسة، القانوني الذي يشغل منصب رئيس مجلس الأحزاب، وجاء فرح مصطفى وزيراً للتعليم العام، وفضل عبد الله فضل وزيراً للدولة بالتجارة الخارجية، كما تم تعيين رئيس تنظيم الارادة الحرة الاستاذ علي مجوك وزيراً بوزارة الثقافة، الصادق محمد علي وزير دولة بوزارة الاستثمار، بابكر نهار وزير الآثار والسياحة والحياة البرية، وخليل عبدالله وزير دولة بالارشاد، بالإضافة لأبو القاسم إمام، الوالي السابق لغرب دارفور، الذي تغيّب عن أداء القسم أمام رئيس الجمهورية الأربعاء الماضي، والذي أكدت مصادر (الأهرام اليوم) أن حركته ما زالت تبحث أمر زيادة مشاركتها في السلطة. وعلى صعيد مشاركة أبناء الجنوب في التشكيلة فقد نالت الحركة الشعبية التي دفعت بوجوه جديدة أكثر من حصتها المخصصة في نيفاشا سابقاً بعد حصولها على (8) وزارات و(8) وزراء دولة، بما يعادل نسبة 30% من السلطة المركزية مقارنة ب 28% في الحكومة السابقة، وجاءت في مقدمتها وزارة مجلس الوزراء التي شغلها د. لوكا بيونق منتقلاً من وزارة رئاسة حكومة الجنوب، ووزارة النفط، التي تم استبدالها بالخارجية التي كانت ضمن نصيب الحركة الشعبية في الحكومة السابقة، بجانب النقل و الصحة والتعليم العالي والاستثمار. ومما يضاعف من مشاركة أبناء الجنوب إشراك المؤتمر الوطني جوزيف ملوال دونق، وزير البيئة والغابات والتنمية العمرانية من جبهة الانقاذ الديمقراطية، وتريزا سرسيو ايرو، وزير دولة بوزارة الاتصالات وتقانة المعلومات من حزب(سانو) بالاضافة إلى وزيرين من منسوبيه ويمثلهما داك دوب بيشوب، وزيرا بالعمل وفدوى شواي دينق، وزير دولة بوزارة البيئة والغابات والتنمية العمرانية. ولكن ثمة سؤال يقفز من بين ثنايا الطريقة التي انتهجها عرابو التشكيل الوزاري لعرض كتابهم، هل سيفلح هذا الكم الهائل من الوزراء والقيادات التنفيذية القادمة من نواب ومساعدين ومستشارين لرئيس الجمهورية في الأخذ بيد البلاد وإخراجها من تحدي استفتاء الجنوب دولة واحدة موحّدة ويقيها شر الانقسام و التشرذم؟ وهل يضع التشكيل حداً لمشكلة دارفور التي ما زالت أبواب منبرها التفاوضي بالدوحة تستقبل حركة وتودع أخرى بشكل يصعب معه التكهن من أي اتجاه سيأتي الحل؟! ويرى مراقبون أن المؤتمر الوطن حاول أن يلقم دعاة التهميش والقبليين والجهويين في دارفور حجرا من جهة، وحمل تأكيداته برغبته الملحة والجادة في تغليب خيار الوحدة من جهة أخرى، وأشاروا إلى أن الوطني ساق في هذا الاتجاه ولكن بطريقته حينما دفع بمنسوبيه من أبناء الاقليم في الجهاز التنفيذي الاتحادي، وأنه انتهج ذات النهج بالنسبة لمشاركة أبناء الجنوب التي أوضحوا أنها تاثرت بسبب أن الحركة الشعبية طرحت نفسها متحدثا باسمهم بعد أن أحكمت قبضتها على برلمانه وجيشه وأموال بتروله. وأكد المراقبون أن دفع الحركة الشعبية بقيادات الصف الثاني باستثناء لوكا بيونق رئيس مجلس الوزراء وبيتر أدوك ولوال اشويل دينق وجورج بورينق مؤشرٌ على أنها لا تهتم كثيراً بأمر المشاركة في حكومة الشمال، وأن الخطوة تعني أنها بدأت فعليا في حزم حقائبها استعدادا للرجوع جنوبا على خلفية ترجيح كفة الانفصال في استفتاء الجنوب المزمع مما يجهض ترتيبات ومحاولات المؤتمر الوطني رغم رفض قيادات الحركة الشعبية لهذا الاستنتاج. وأكدت طبقا لوزير الخارجية الأسبق دينق ألور أن هذه التحليلات والأحاديث هي بعيدة كل البعد عن الحقيقة وغير صحيحة، وقال إن من تمت تسميتهم معظمهم كانوا وزراء بالجنوب وأن كل الذي حدث أن الحركة مضت إلى تبديل في الأدوار فذهبت ببعض الذين كانوا في الشمال إلى الجنوب وكذلك العكس أتت ببعض من في الجنوب للمشاركة في الحكومة المركزية، مشيراً الى أن الخطوة لا تعني أي اتجاهات للانفصال مستبعدا حدوث الأمر برمته، وأوضح أن تسمية المشاركين جاء بقرار من المكتب السياسي، وأن القصد منها الدفع بوجوه جديدة للمشاركة في الحكومة المركزية. ويذهب المحلل السياسي، الناشط في شؤون دارفور عبدالله آدم خاطر الى أن مشاركة أبناء دارفور في الحكومة الحالية يعد الأكبر منذ الاستقلال وحتى في حكومة 1986 التي اعقبت الانتفاضة، لكنه نبه الى أن مجرد وجود أفراد من أبناء دارفور بهذا العدد إذا لم يكن لديهم صلاحيات وسياسات تصب في صالح حل وإنهاء الازمة فلن يخدم بشيء، وانه يجب التعويل على نوع الخدمة أكثر من التمثيل. وحول مشاركة الحركة الشعبية وأثره في الاتجاه نحو الوحدة، أكد عبدالله خاطر في حديثه ل (الاهرام اليوم) أن الأمر أيضا ينطبق عليهم، وقال: يمكن أن تكون المجموعة رموزا للتغيير ولكن مجرد وضعهم دون تغيير في سياسات الدولة وتطويرها في اتجاه الوحدة فكأننا نحرث في البحر. وبالنظر الى تحديات الوحدة ودارفور فإن الراهن يشير الى ضيق في الوقت يجابه إنجاز متطلبات إجراء استفتاء جنوب السودان لاسيما وأن المفوضية التي ستشرف على إجرائه لم تشكل بعد، وان ماكينة العمل في المنبر التفاوضي بالدوحة لحل مشكلة دارفور لم تكتمل تروس دورانها بعد في ظل تعنت بعض الحركات المسلحة وعلى رأسها حركة العدل والمساواة بقيادة د. خليل ابراهيم التي ستشكل مطالبتها الأخيرة بتغيير منبر الدوحة الى القاهرة أو طرابلس علامة سالبة في مسار التفاوض . وتظل القضيتان بتعقيداتهما وتشعبهما ساحة للجهد الفكري والسياسي ينتتظر أن تركض فيها خيول من تم اختيارهم من الوزراء ومن يقفون على الرصيف لجهة إيجاد حل لهما بشكل يعطي تبريرا معقولا لاختيار هذا الكم من عناصر الجهاز التنفيذي في الحكومة الجديدة.