الراجعون للوطن، يحلمون بالمسكن، وبعضهم جهز نفسه ومنزله لتلك العودة، والغالبية تركوا أمورهم للحظة الأخيرة، ليعودوا ثم يستكملوا إجراءات المنزل، ويدخلوا معترك الحياة بالسودان. بعض الأسر العائدة ، تحلم بالشقة، فقد نشأ أبناؤهم داخل الشقق، واعتادت حياتهم ذلك النمط، حيث المكان المختصر .. والسهولة في النظافة، والخصوصية، والأهم : توفر الجانب الأمني الذي قد تفتقده المنازل العادية، والتي ربما يبرطع في حيشانها الحرامية، بدءا من منتصف الليل، وحتى ساعات الفجر الأولى !! لكن الشقق في السودان، عكس كل الدنيا، هي الأغلى بشكل لا يصدق، وأسعارها تبلغ أرقاما فلكية، وهذا ما يجعلها تبور، وتنتظر طويلا من أجل تسويقها .. رغم إغراءات التقسيط، والتي تزيد الطين بلة، وتدخل بالمشتري في فيلم رعب، ينتهي حينا بمصادرة الشقة، وأحيانا أخرى بدخول السجن من أوسع الأبواب، بفعل الشيكات الطائرة !! زميل مغترب، وصل منذ يومين للخرطوم، فأوصاني بالسؤال له عن الشقق، وإمكانية أن يحظى بإحداها .. وقال إنه يريدها في حي متوسط، وسعرها في حدود المائة وعشرين ألف جنيه .. لا تزيد مليما واحدا . مائة وعشرون ألف جنيه، تعني بالبرمجة الدماغية القديمة مائة وعشرين مليونا، وهو مبلغ جيد، ويكفي لشراء خمس شقق سكنية في أحياء متوسطة بقاهرة المعز !! اتصلت بأحد تماسيح العقارات، وكنت أدخره ليوم الاحتياج، فسألته عن الشقق، وطلبت أن يتهاود في السعر، وقلت له إن الثمن المطلوب يجب أن يكون في حدود مائة ألف جنيه، أما إذا كانت الشقة (لقطة) فسأقنع صاحبي أن يدفع فيها مائة وعشرين ألف جنيه ! ابتسم كبير تماسيح العقار، وقال لي بشكل (حازم) : قل لصاحبك أن يبحث عن قطعة أرض في حي شعبي .. بهذا المبلغ ! أدهشني حديثه، فطلبت المزيد من المعلومات، فقال : يا أستاذ، أسعار الشقق لا تتعامل مع هذه الأرقام المتهالكة، فالشقة تباع بالمتر المربع، وسعر المتر يتراوح في أرخص الأحوال بين ألف (دولار)، وألف وثلاثمائة دولار !! قمت بتقليب الحاسبة في دماغي، فإذا افترضنا أن مساحة الشقة مائتا متر مربع، وسعر المتر فقط ألف دولار، فإن سعر الشقة النهائي يكون مائتي ألف دولار .. لا غير. أعدت تشغيل الحاسبة في دماغي، وقمت بتحويل المبلغ للجنيه السوداني الذي لا يكترث له التماسيح، لأكتشف أن سعر الشقة قد يصل لأربعمائة ألف جنيه .. بالجنيه الجديد .. حتى لا يفزعنا الرقم بالقديم !! أسرعت لهاتفي، واتصلت بزميلي العائد، وقلت له، بشكل (حازم) أيضا : (يا زول .. أقول ليك كلام ؟ بِل قروشك .. واشرب مويته)!!