في أمسية السبت 3 يوليو2010 وعلى قناة النيل الأزرق برنامج (مساء جديد) أطل علينا الأستاذ السموأل خلف الله وزير الثقافة في التشكيل الوزاري الجديد، وإن كان لهذا التشكيل العديد من الايجابيات منها التمثيل المنصف لدارفور وضخ دماء جديدة من الجيل الثاني والثالث، إلا أن أهم ايجابية هي وضع هذا الرجل المناسب في الموقع المناسب وزارة الثقافة. لم أكتب عنه من أي منطلق فلم تكن لي معرفة شخصية به على الرغم من أننا ننتمي لجهة دراسية واحدة (جمهورية مصر العربية) والتي خرّجت جامعاتها عدد مهول ممن يشغلون اليوم مواقع سياسية وتنفيذية في الدولة ولهم كذلك اسهام في مؤسسات القطاع الخاص والسموأل تخرّج في منتصف الثمانينيات ونحن من الجيل التالي له وقد وجدنا مسيرته الطيبة عبر أضابير العمل الطالبي. شغل العديد من المواقع القيادية في اتحاد الطلاب وبدأ ميوله الثقافي والإعلامي من خلال المجلات والمطبوعات والدوريات. ومعلوم عنه انتماؤه للاتجاه الإسلامي دون تشدُّد أو تعصُّب. ولعل ميوله واهتمامه بالفنون جعله مختلف عن كثير من إخوانه الإسلاميين، فهو متصالح مع معظم ضروب الثقافة بينما كثير منهم مصادم أو مُبغض لها. ولعل ذلك مرده إلى التنشئة المتشددة التي ميّزت الإسلاميين منذ جلب فكرتها من مصر وما واقعة التعدي من قبل طلابهم بجامعة الخرطوم على الفرقة الشعبية التي أدت رقصة «العاجكو» في العام 68 ببعيدة عن الأذهان. وما يُحمد للقيادة الفكرية والسياسية للإسلاميين، أنها غيّرت من تلك النظرة لكثير من المسائل ومنها الفنون بل وعملت على تأصيلها حتى لا تخسر كثير من فئات المجتمع وقد بدأ هذا الحراك د. حسن الترابي وتبعه عدد من تلاميذه الأستاذ حسين خوجلي والمحبوب عبد السلام وهذا الرجل السموأل. والحديث عن هذه المدرسة يطول وتختزل فكرتها بأن الفنون الموجّهة والهادفة لإعلاء القيم وغير المُسِف والمُبتذل حلال. أما غير الهادف والذي يخالف هذه الأوصاف فهو محرّم. والأهم من ذلك الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم هو استثناء. وعلى هذا النمط سار االسموأل وقرن القول بالعمل وشمّر عن ساعده ودخل الميدان مساهماً في معظم الأعمال الإعلامية والثقافية متواصلاً مع أهل هذا الوسط مقدماً المبادرات محلحلاً لكثير من الاشكالات بما لديه من علاقات بقيادة الدولة وبذلك كان سفير الانقاذ لهذا الوسط. ففي السابق كان عدد الإسلاميين قليل في هذا الوسط. ففي الوقت الذي كان السموأل يجاهد فيه آثر أغلبهم العمل الوظيفي والاستوزار لما فيه من مزايا السلطة والمادة والجاه. ولا شك تحمّل الكثير فالبعض ينظر إليه بالشك والريبة من أين أتى هذا الرجل؟ وما هي نواياه؟ وكثيرون يختزلون رسالته في الاستقطاب السياسي وليس الاسهام وتطوير وتأجيل هذا الجانب، ومن جانب آخر لا يخلو الأمر من معاناة . وهكذا دعمه لأي عمل مشابه داخل وخارج العاصمة وأهم ما في شخصيته الأريحية والبساطة التي تعامل بها مع قبيلة الوسط الفني لذا أحبوه فعندما عُيِّن وزيراً رحبوا بالقرار وبادرت بعض المؤسسات إلى تكريمه فكان أول ما قامت به دار الخرطوم للغناء والموسيقى والمسرح فكانت ليلة محضورة أمّها رموز من أهل الوسط الفني وتعددت كلمات الشكر والثناء من إدارة الدار والحضور ومشاركة المطربين حتى من أهل الجنوب المغنية لوشيا خميس. ومن خلالها رسم الوزير موجهات عمله وبدا مدركاً لما يجب عليه القيام به. فالتحدي الأول أن وزارته تحتاج لتأسيس، ففي السابق كان دمها مفرّق بين الوزارات وما يتبع ذلك من توفير المعينات البشرية والمادية إضافة إلى ما سبق ذكره من صعوبات تواجه الثقافة من حيث المفهوم والقبول والصعوبات المجتمعية والحكومية، فهي بين من يتشدّد حتى يدخلها دائرة التحريم وآخرين يؤمنون بدورها وأهميتها إلا أنهم لا يعملون بجد لإقرار ذلك فلا يمنحونها الوقت والمال الكافي وفوق ذلك لا يأصلونها في مواجهة المتشددين لبعض ضروبها. وفي رأينا أن القوس أُعطيت لباريها ومطلوب منك ألا تكون مثل من سبقوك لنضطر لنردد مع الممثل جمال حسن سعيد (يا خلف الله ما عذبتنا) ونحن ثقة بأنك ستريحنا بتفعيل وتطوير محاور هذه الوزارة. وبنظرة سريعة لميزانيتها وميزانية الدفاع أو الأمن أو الخدمات الأخرى تجد البون شاسعاً ولا يخلو الأمر من نظرة إنها وزارة لعب كما يُطلق على الرياضة. وفي تقديرنا يجب أن يعمل الجميع على انجاح هذه الوزارة وأن يترجم التكريم والاحتفاء إلى معاونة ومساندة وأجد نفسي متفقاً مع الوزير في ضرورة إعادة النظر في بعض التشريعات خاصة قانون الملكية الفكرية في جانب منع الغناء بأعمال الغير بأن توجد صيغة مناسبة لا تحجم الابداع لأن القانون الحالي بصورة يعد حجر عثرة في تطوير العمل الثقافي وذلك بتحديد مدة زمنية للابداع الأدبي خاصة الشعر حتى يكون مشاعاً مثلاً 50 عاماً كما هو الحال في الوثائق والأسرار. وختاماً نتمنى لهذا الرجل النجاح ولا نضطر لترديد مقولة جمال حسن سعيد «يا خلف الله ما عذبتنا» بل نقول يا ود خلف الله ما ريحتنا. والله ولي التوفيق جبل أولياء