تتحوّل مدينة "سواكن" السودانية (شرق) وجزيرتها التي تحمل ذات الاسم، عند موسم الحج من كل عام، إلى قبلة للراغبين في أداء الفريضة الخامسة، حيث يتوجهون عبر مينائها إلى الأراضي المقدسة. ومنذ نحو ثلاثة قرون، يعبر شواطيء الجزيرة آلاف الحجاج السودانيين وغيرهم من الأفارقة، وتمثل الجزيرة خاتمة المطاف لطريق بري طويل، يبدأ من وسط وغرب إفريقيا. ورغم أن تعداد مواطني "سواكن" يفوق 43 ألفًا، وفق إحصاءات غير رسمية، لكن المدينة تتحول إلى مركز نشاط متعدد عند اقتراب موسم الحج، وبعد انتهائه. - جغرافيا "سواكن" تقع جزيرة "سواكن"، على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان، عند خطي عرض 19.5 درجة شمال، وطول 37.5 درجة شرق. وترتفع الجزيرة عن مستوى سطح البحر 66 مترًا، وتبعد عن العاصمة الخرطوم نحو 560 كيلومترًا، وزهاء 70 كيلومترًا عن مدينة "بورتسودان" ميناء السودان الرئيس حاليًا. - تجهيزات للمغادرة والعودة وأعلنت الحكومة السودانية مطلع أغسطس/آب الجاري، اكتمال الترتيبات لاستقبال الحجاج المغادرين والعائدين عبر ميناء "سواكن"، وشكلّت غرفة عمليات لمراقبة حركة تنقل الحجيج، والإشراف على تقديم الخدمات لهم بمتابعة وزير الإرشاد والأوقاف، أبوبكر عثمان. من جهتها، نظّمت الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بولاية البحر الأحمر (حكومية)، لأول مرة برامج تثقيفية ودروسًا دينية للحجاج المتوجهين إلى الأراضي المقدسة عبر ميناء "سواكن". وقال مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون بالبحر الأحمر، مزمل سليمان، إن الإذاعة بدأت في مطلع أغسطس/ آب الجاري بث برامج دينية إرشادية بمعدل ساعتين يوميًا على الهواء مباشرة. وأضاف سليمان في حديث للأناضول: أن تلك الحلقات الإرشادية قدمها عدد من علماء الدين، الذين عمدوا إلى التعريف بفريضة الحج بصورة مبسطة للحجاج السودانيين، وغير السودانيين. وتابع: "نظّمنا عددًا من اللقاءات المباشرة مع حجاج سودانيين وأفارقة (لم يحدد جنسيتهم) وكنا ننقل أسئلتهم إلى علماء الدين، ونضمنها في خططنا لإعداد البرامج". - تكلفة أقل ورغم ارتفاع تكاليف الحج للعام الحالي بالنسبة للسودانيين، بلغ تعداد الحجاج 34 ألفًا، و432 حاجًا، من جملة 35 ألف فرصة توفرت لحجاج البلاد، وفقًا للإدارة العامة للحج والعمرة. ويعود ارتفاع تكاليف الحج لهذا العام إلى الهبوط المتواصل للجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكي، والريال السعودي. ويعاني السودان أزمة حادة في النقد الأجنبي منذ انفصال جنوب السودان، عام 2011، وفقدان إيراداته النفطية المقدرة ب80% من إيرادات النقد الأجنبي، و50% من الإيرادات العامة. وأعلنت وزارة الإرشاد والأوقاف السودانية أن تكلفة الحج للعام الحالي تراوحت بين 89 ألف جنيه (4700 دولار)، لحجاج ولاية الخرطوم عبر الطيران، و73 ألف جنيه (3900 دولار) عبر البحر، و92 ألف جنيه عبر الطيران لحجاج ولاية جنوب دارفور (نحو 5 آلاف دولار)، و78 ألف جنيه عبر البحر (4100 دولار). وتعد قلة تكلفة السفر عن طريق البحر، بما يقارب ألف دولار، العامل الرئيس في جعل ميناء جزيرة "سواكن" القبلة الأولى للحجاج السودانيين، في ظل ارتفاع الأسعار، وساهمت كذلك في ارتفاع عدد الحجاج المتوجهين إلى الأراضي المقدسة. وتتفاوت تكلفة الحج بين ولايات السودان ال18 حسب تكاليف نقل الحجاج من الولاية إلى الموانئ الجوية والبحرية. وارتفعت تكلفة حج هذا العام بنسبة 150% عن تكلفة العام السابق، بنحو 42 ألف جنيه سوداني (ألفا دولار). - العودة عبر "سواكن" وبلغ عدد الحجاج السودانيين الذين غادروا عبر ميناء "سواكن" نحو 18 ألف حاج. وقال وزير الإرشاد والأوقاف السوداني، أبوبكر عثمان، الخميس الماضي، إن "رحلات (عودة) الحجيج السوداني من الأراضي المقدسة إلى ميناء سواكن عبر البحر، ستبدأ الإثنين، المقبل، وتستمر لمدة تسعة أيام (دون الإشارة إلى عدد الرحلات)". وفي أغلب الأحيان يبقى معظم العائدين في "سواكن" نحو يومين، قبل مغادرتها إلى مدنهم المختلفة. بدوره، أعلن الأمين العام لاتحاد وكالات السفر السودانية (غير حكومي)، محجوب المك، "اتخاذ السلطات السودانية لعدد من الإجراءات لتسهيل مغادرة الحجيج من الجزيرة إلى مدنهم". وقال في حديث للأناضول: "عقدنا عدة اجتماعات مع السلطات المختصة في ولاية البحر الأحمر، لتسهيل حركة خروجهم من الميناء". وأشار إلى "تأكيد الحكومة على فتح نوافذ الجمارك بسواكن طوال ساعات اليوم، لتسهيل حركة الخروج من الميناء". وأضاف: "رغبتنا تتمثل في أن يخرج الحاج من الميناء، ويتوجه إلى المركبات التي ستقلّه إلى مدينته بصورة مباشرة، وذلك خشية حدوث تكدس بالمدينة". ورغم الاهتمام الحكومي والدولي بجزيرة "سواكن"، تفتقر الجزيرة لوجود العدد الكافي من الفنادق التي تتسع لأعداد كبيرة من الزوار. واختتمت مناسك الحج، الجمعة، الموافق 13 من ذي الحجة، ثالث أيام التشريق، وذلك بعد قيام ضيوف الرحمن من غير المتعجلين برمي الجمرات، ثم التوجه الى بيت الله الحرام لأداء طواف الوداع، آخر مناسك الحج. - تأهيل البنية التحتية وناشد المك "السلطات التركية المضي قدمًا في تأهيل البنى التحتية لسواكن". وأردف موضحًا: "تواجهنا مشكلات مرتبطة بمواسم الحج وفريضة العمرة، حيث ترتفع أعداد المتوجهين إلى مدينتي مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة عبر ميناء سواكن، وغالبًا ما يعاني الحجاج والمعتمرون من عدم وجود أماكن شاغرة للإقامة، لذلك ننادي السلطات التركية للمساهمة في إعمار المرافق السياحية في الجزيرة". وعلى هامش زيارته إلى السودان في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2017، تجوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بجزيرة "سواكن"، وتعهد بإعادة بناء الجزيرة التاريخية. وعقب الزيارة أوفدت الحكومة التركية، عددًا من المختصين وعمال الترميم للبدء في مشاريع إعمار الجزيرة. وفي 25 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن السفير التركي لدى الخرطوم، عرفان نذير أوغلو، وصول 30 متخصصًا تركيًا في علم الآثار إلى منطقة سواكن، للبدء في إعادة تأهيل المنطقة سياحيًا. وساهمت "وكالة التعاون والتنسيق التركية" (تيكا) في ترميم مساجد الحنفية والشافعية العائدة للعهد العثماني، ومبنى الجمارك بجزيرة "سواكن" عام 2011، إلى جانب إعدادها خطط مستقبلية لإعمار الجزيرة.