القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماجد عزام : السودان وإسرائيل .. تواصل أكثر وتطبيع أقل
نشر في رماة الحدق يوم 12 - 02 - 2020

التقى رئيس مجلس السيادة السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي في مدينة عنتيبي بأوغندا، بوساطة أميركية إماراتية تعبر عن السياسات الإقليمية المنسقة بينهما، والتي تحتل فيها إسرائيل ركنا مركزياً.
جرى اللقاء المفاجئ بعيداً عن العدسات. ولكن الصورة المخفية عوّضها الخبر نفسه بالنسبة لنتنياهو الذي أراد استغلال اللقاء لتحقيق عدة أهداف، أهمها استثماره انتخابياً، وتصوير نفسه صاحب نجاحات سياسية ودبلوماسية، مع إقامة تواصل وعلاقة مع دولةٍ كانت تاريخياً في خانة ألدّ أعداء إسرائيل، وصاحبة مواقف مميزة في دعم القضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية، وحتى العالمثالثية العادلة الأخرى.
ثمّة هدف رئيسي آخر متعلق بالانتخابات، يتمثل بوعد نتنياهو ناخبيه بإعادة آلاف اللاجئين السودانيين إلى بلادهم. هذا الملف الذي تمت مناقشته مع أكثر من دولة أفريقية، بما فيها أوغندا نفسها، إضافة إلى رواندا التي تم توقيع تفاهم معها، وحتى إغراؤها من أجل استقبال اللاجئين السودانيين والأفارقة على أراضيها. ولا شك في أن نتنياهو ناقش الملف مباشرة مع الجنرال البرهان، وستكون الحجة جاهزة، حيث لا يمكن لدولة سلطةٍ تحترم نفسها وتقوم بمسؤولياتها وواجباتها أن ترفض استقبال مواطنيها أو إعادتهم إلى بلادهم، على الرغم من أن الأمر لا يستوجب اتصالات أو علاقات مع إسرائيل، إنما يمكن إنجازه عبر الأمم المتحدة المعنية به أصلاً.
ثمّة سبب أو هدف اقتصادي آخر يتعلق بعبور الطائرات الإسرائيلية والأجنبية الأجواء السودانية في رحلاتها بين إسرائيل وأميركا الجنوبية، ما يقلل تكلفتها ويزيد الحركة التجارية بين تل أبيب ودول القارة الجنوبية. وهو ملفٌ كان دوما على طاولة نتنياهو انتخابيا، سياسياً واقتصادياً، علماً أن هذا حصل فعلاً، وفق النموذج السعودي، بمعنى أن شركات الطائرات الأجنبية فقط ستعبر الأجواء السودانية في طريقها من إسرائيل وإليها، ما يحقق المكاسب والعوائد نفسها تقريباً بالنسبة لإسرائيل واقتصادها.
ومن الجانب الإسرائيلي على الأقل، كانت الرمزية حاضرةً، كون السودان هو نفسه صاحب
اللاءات الشهيرة الثلاث: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض. واللقاء يقول، ولو شكلاً، إن ثمة اعترافا وتفاوضا وحديثا عن صلح مع العاصمة التي احتضنت القمة العربية الشهيرة بعد نكبة يونيو/ حزيران 1967. والمرجح أنه تم تعمد برمجة اللقاء بعد الإعلان عن صفقة القرن في واشنطن أواخر الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني)، إذ تسعى الرسالة الإسرائيلية إلى الإيحاء أن السودان يدعم الصفقة أو على الأقل لا يعارضها، وفي الحد الأدنى، هي لا تحول دون عقد لقاءات مع الأنظمة العربية بمعزل عن الموقف الفلسطيني الرافض قطعياً لها، والذي تسعى إسرائيل إلى عزله ومحاصرته، أو حتى طعنه كما قيل حرفياً في توصيف اللقاء فلسطينياً.
أراد الجنرال عبد الفتاح البرهان الحصول على مكاسب عامة، تتعلق برفع السودان عن قائمة الإرهاب الأميركية، والحصول على مساعدات وتسهيلات اقتصادية من الولايات المتحدة، كما من حلفائها الدوليين والإقليميين. ونحن هنا أمام مثال كلاسيكي، يتبنّى قاعدة "الطريق إلى واشنطن تمر بتل أبيب". وقد تأكد هذا طبعاً مع توسط وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو نفسه، لعقد اللقاء، ثم مبادرته للاتصال هاتفياً بعده بالبرهان، وتوجيه دعوة له لزيارة واشنطن خلال العام الجاري (2020).
وقد سعى البرهان كذلك، من اللقاء مع نتنياهو، إلى نيل دعم أميركي "وإقليمي" لبقاء العسكر في السلطة، والحفاظ على دور مركزي لهم، في المشهد السياسي بشكل عام. وربما يمثل هذا البعد تحديداً خلفية دعم القيادة العامة للجيش للبقاء والدفاع عنه في بيان رسمي. والمرجح أن البرهان يسعى شخصياً إلى زيادة أسهمه قائدا وزعيما في المرحلة الانتقالية، وربما بعدها أيضاً وتقديم نفسه للخارج قائدا مسؤولا وبراغماتيا. نحن هنا أيضاً أمام مثال كلاسيكي على سعى زعماء العالم الثالث، والعسكر تحديداً، إلى نيْل الشرعية من الخارج، في ظل الافتقاد، بل صعوبة الحصول عليها في الداخل. وهنا يمثل الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر مثالا آخر على ذلك.
وفيما يتعلق بالوساطة لعقد اللقاء السوداني الإسرائيلي، ثمّة حضور إماراتي مستهجن، ولكن غير مستغرب أو مفاجئ، كونه يتساوق مع السياسة الإماراتية الإقليمية العامة، الكارثية والدموية المعتمدة على التطبيع السرّي والعلني وتقوية العلاقات مع إسرائيل من جهة. وتشجيع الاستبداد والثورات المضادة من جهة أخرى، مع نيل دعم أميركي وإسرائيلي لإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد التي أسقطتها الثورات العربية. ومن هنا، يمكن اعتبار لقاء نتنياهو والبرهان إحدى ثمرات الاجتماع الثلاثي الأميركي الإسرائيلي الإماراتي السرّي في البيت الأبيض أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ولا تقوم تفاهمات التحالف الثلاثي فقط على مواجهة إيران أو تحجيمها كما قيل، إنما تشمل كذلك التطبيع مع إسرائيل وإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد العربية بوصفها قاعدة للسياسة المشتركة والمنسقة في المنطقة.
في تداعيات اللقاء وردود الفعل تجاهه، ثمة إجماعٌ تقريباً في إسرائيل على اعتباره نجاحا سياسيا دبلوماسيا وشخصيا لنتنياهو، مع إجماع مماثل على أن هذا اللقاء لن ينقذه أو يحسّن وضعه
الانتخابي، الأمر الذي عجزت عنه صفقة القرن نفسها. وفي السودان، كانت ردود فعل قوية شعبية وحتى رسمية، اعتبرت اللقاء تجاوزا للوثيقة الدستورية الناظمة لعمل الفترة الانتقالية التي تجعل العلاقات الخارجية من مهام السلطة التنفيذية (الحكومة) وليس مجلس السيادة. وعلى الرغم من تأييد رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، اللقاء انطلاقاً من خلفيات سياسية "وشخصية" شبيهة بالتي طرحها الجنرال البرهان، إلا أن رفض الحكومة ومكونها المركزي، قوى إعلان الحرية والتغيير، كان قاطعاً من حيث الشكل والمضمون، كون البرهان غير مخوّل لإجراء اللقاء، مع تأكيد على دعم السودان التاريخي للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره، ونيل حقوقه التي تكفلها له الشرعية الدولية.
إلى ذلك، يمكن الحديث عن رفض صارم للقاء من المعارضة، بجناحيها الإسلامي (المؤتمر الشعبي) واليساري (الحزب الشيوعي)، كما من شرائح شعبية واسعة عبرت عن مواقفها في الشارع، كما في وسائل التواصل الاجتماعي. بناء عليه، يمكن الاستنتاج أننا لسنا بصدد تطبيع كلاسيكي يتضمن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين السودان وإسرائيل، في ظل الرفض السوداني السياسي والشعبي القاطع. ولكن للأسف لن يكون في الوسع وقف التواصل بين الجانبين، لنقاش قضايا عدة اقتصادية وأمنية، خصوصا مع تسويغه وتبريره بالمصلحة السودانية الوطنية العليا، لرفع العقوبات، وجلب المساعدات الاقتصادية، إضافة إلى تدخل أميركا وحلفائها الإقليميين الساعين إلى إفشال الانتقال الديمقراطي السلمي في السودان، أو تدجينه في الحد الأدنى، وإجهاض نموذج ثوري ناجح يمكن الاستلهام منه عربياً وإقليمياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.