تعامل أمريكا أوباما مع إيران الصاعدة لم يختلف كثيراً عن سلفه بوش، بل هناك تركيز من قبل أوباما على إنفاذ أفكار وسياسات المحافظين الجدد خاصة في ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط باعتبار أمن إسرائيل هو محور العلاقات مع دول الشرق الأوسط، وبمعنى أدق السعي لإضعاف الدول الشرق أوسطية إلى أقصى حد في مواجهة القوة الإسرائيلية المتنامية بغرض ضمان التفوق الأبدي لإسرائيل حتى تكون على الدوام قوة الردع الأولى في المنطقة لتستطيع السيطرة على الأمن ومن ثم السيطرة الكاملة على مجمل النشاط الاقتصادي ولتصبح هي المتحكم في التجارة في هذه المنطقة الغنية من العالم ليصبح استيعاب إسرائيل في منظومة المنطقة أمراً يفرضه منطق القوة والتفوق. وبالنظر إلى قضية إسرائيل نجد أنها كانت ولا تزال وراء مشكلات المنطقة المستمرة ولم يعد قيام علاقات بعض دول المنطقة كالأردن وتركيا مع إسرائيل تسهم في تحقيق الهدوء كما أن زوال الاتحاد السوفيتي أو تشتته لم يسهم هو الآخر في استقرار المنطقة بل ساهم في صعود قوى على قدر غير مسبوق من الكراهية للكيان الإسرائيلي كإيران وحزب الله في لبنان وبقدر تعاظم دور القوة الأمريكية في تجريد المنطقة من كل أسباب القوة باحتلال العراق وقطع وحدته الوطنية وإشعال الفتنة الطائفية والإثنية فيه، فبروز القطب الأحادي وانحيازه السافر لمصالحه أسهم في إحياء دور الاتحاد السوفيتي الذي تبنته روسيا والصين هذه المرة حيث نشأ تضامن بين الصين والروس لم يكن معهوداً من قبل على النحو الذي انعكس على قرارات مجلس الأمن حيال القضية السورية، فسوريا تمثل المصالح الروسية في المنطقة وبها قواعد ومنشآت عسكرية روسية. فاستخدام الڤيتو من قبل الروس للمرة الثانية يعلن بوضوح بداية الحرب الباردة التي هي أشد فتكاً بالموارد من الحرب الساخنة نفسها، فالمصالح هذه المرة هي المحرك الرئيس للسياسة، فلم تستطع أمريكا وأوربا حشد العالم ضد إيران بسبب برنامجها النووي، فالأمريكان يرون الاحتفاظ بإيران والتضحية بها في نفس الوقت، أما الأوربيون الذين شرعوا في مقاطعة النفط الإيراني لا أعتقد أن ذلك يستمر طويلاً لأن استمراره يعني زحف الربيع العربي نحو أوربا لأنها لن تستطيع سد النقص الناجم عن المقاطعة، فالأزمات متوقعة ما لم يغير الأوربيون موقفهم، فالڤيتو وضع العالم أمام التوازن من جديد وسيأخذ الدور الأمريكي في التراجع بوتيرة تذهل المراقبين، فالفرصة أمام إفريقيا والعالم العربي لاستثمار هذا التراجع.