شركة الأقطان وما دار حولها من جدل بشأن فساد إدارتها وما راج بعد تحفظ الأجهزة المختصة على المتهمين على ذمة التحقيق والقضاء، بالتأكيد هذا الجرُم لا يقتصر على المتحفَّظ عليهم (عابدين) ورفقائه كما يتبين كل يوم، لكن طالما أنه تمدد إلى خارج أسوار وأبواب الشركة كما تشير التسريبات وأن قيادات نافذة في البنوك ظلت تقدم الخدمات والتساهيل بشكل ربما مريب ولافت لكن القانون يقول إن المتهم برئ حتى تثبت إدانته!! الواقع والمراصد تنبئ بأن الفساد ربما قد تسلق الطوابق المختلفة لشركة الأقطان وعمّ معظم جسدها وعلاقاتها الخارجية سواء كانت مجلس الإدارة أو المؤسسات البنكية وغيرها لذافلا يمكن اقتلاعه إلا إذا هبّت أعاصير عاتية، وانقلب المبنى رأساً على عقب ثم ابتلاع «عناصر» و«شخصيات» تمثل أساس أضلاع وزوايا هذا الفساد وهذا هو التحدي الأكبر لأن الضرورة والأهمية تتطلب وجود هذه الشركة القابضة لأجل خدمة هذه السلعة الاقتصادية الضرورية للبلاد.. بالأمس أصدر المشير عمر حسن أحمد البشير قراراً جمهورياً مفاجئاً يمثل تطورًا لافتًا في قضية الأقطان حل بموجبه مجلس إدارة الشركة وألغى قرار تكليف أحمد آدم سالم الخبير الاقتصادي المعروف قبل أن يوقع الرجل عقداً مع مجلس الإدارة ويجلس على كرسي الشركة ويخرج ما يخبئه من رؤى، وقبل أن يبدأ قيادة «تسونامي» الإصلاح واستواء الجودي على المسار، لإظهار الحقيقة ولفائدة الرأي العام فإن مجلس الإدارة شركة الأقطان وحتى يتوصل إلى موافقة أحمد سالم قد ذهبوا إليه بمنزله وبعد ثلاث ساعات من الحوار واستخارة الرجل وفي اليوم الثاني قبلوا بشروطه لكنه لم يوقع معهم عقداً حتى الآن وهو الإداري النابه المقتدر، خبره الناس مديراً للضرائب ووزيراً للمالية في عدة ولايات: جنوب دارفور، النيل الأبيض، ومعتمداً أسبق للخرطوم وفي كل موقع كانت له نجاحات وسمعة طيبة في مواقع العمل العام والخاص، واضح أن القرار الجمهوري الذي كلف الأستاذ عثمان سلمان مديراً عاماً جاء للملابسات المعروفة حول الشركة وهو نتاج طبيعي لما يجري بشأنها حيث قضى بحل مجلس الإدارة وهو أي المجلس المخول له في الوضع الطبيعي رفع التوصية لتعيين المدير العام وتحديد مخصصاته ومهامه باعتبار أن شركة الأقطان شركة خاصة ذات صبغة عامة ويبدو أنه قد حدثت مشكلة إدارية ما بين رئاسة الجمهورية ومجلس إدارة الشركة عجّلت برحيل المجلس وإبطال قراره. المدير الجديد شغل منصب رئيس صندوق الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي لمدة تجاوزت ال 18 عاماً ثم غادره مما يؤهله لقيادة الإصلاح وهو لا يقل كفاءة عن الأستاذ أحمد سالم ونظراً لكل ما ذكرت نجد رهان الذين تفاءلوا بنجاح أحمد آدم سالم في معالجة نكبة شركة الأقطان وعودة ثقة المزارعين والتجار للقطن كواحد من آليات إسناد الاقتصاد الوطني قد انتقل رهانهم إلى المدير العام الجديد.. المرجعية التي استند إليها المراهنون على نجاح أحمد آدم قبل أن يجلس على كرسيه أحسب أنها خبراته التراكمية في الإدارة والاقتصاد والتخطيط فهو فعلاً صانع ألعاب ولاعب ماهر ينطبق مع تصنيف أحد الزملاء الذي قد تنفس قلمه وقدم نقداً لاذعاً ل «أحمد آدم سالم» قبل أن يجلس على كرسي إدارة الشركة.. «سالم» علاقته بشركة الأقطان علاقة أرقام وحسابات ونظريات اقتصادية وليست علاقة فنية كما يتراءى للبعض فهو لا علاقة له بزراعة القطن وأنواعه على شاكلة طويل التيلة أو غيره، أو تقانة الزراعة والتربة التي تصلح للقطن أو الآليات المستخدمة، هذه وغيرها شكليات وتفاصيل هناك من يقوم بها داخل هيكل الشركة الإداري إذا قُدِّر له قيادتها، ولا أعتقد أن السيد (المدير الجديد) سينشغل بمثل هذه الأمور لأن مهمته أكبر تتعلق بالقضايا الكلية للشركة حتى يقيل عثرتها ويتمكن من تحقيق أحلام وطنه ومزارعي القطن!! القطن كمحصول نقدي حدث له تراجع ونكسة والدولة في إطار تطوير بدائل البترول والنهضة بالقطاع الزراعي بالبلاد بحاجة إلى وضع دراسات وبرامج طموحة تقدم قراءات لراهن ومستقبل القطن، ولذا المهمة تتطلب إعانته وعدم التشويش عليه من خلال الهجوم غير المبرر كما حدث ل «سالم» حتى لا يتم التأثير على العدالة وزعزعة الثقة أكثر مما يلزم، وحتى لا يساهم البعض نتيجة حماسه الزائد في دعم سياسة ضرب الاقتصاد الوطني وزيادة الطين بلة!! الحق بيِّن بعد أن أمسكت الدولة على خيوط اللعبة ورأس الحيّة.. المدير الجديد عليه عدم الالتفات لبعض الكُتاب وما يصنعون حتى يستطيع تحقيق أهدافه ومقاصد تكليفه وعليه أن يغض الطرف عن معسكرات أصحاب الأجندة الذين يهولون الموضوعات وكأن القيامة قامت وضياع الوقت في مطاردة خطوات البعض منهم وتركهم للتاريخ وحده وهو كفيل بهم لعودتهم للصوّاب وإرغامهم على الاعتراف بالحق. وليصبح كل ذلك لصالح الوطن الكبير وإصلاح حال القطن المهزوز ووضع حد لأكل أموال الدولة والمساكين بالباطل، وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة ضبط القوانين وتفاسيرها وكذلك العقودات الخاصة بالشراء وتنفيذ المشروعات، هذه هي مداخل الفساد وأن هذه القوانين تعج بالأخطاء والثغرات التي عادة ما يستغلها أغلب المعتدين على المال العام، فما دامت القوانين رخوة وشروط التعاقد والجزاءات كذلك لا يتوانى المجرمون عن السطو على أموال وممتلكات الغير سواء كانت عامة أو خاصة؟ نأمل أن يكتب النجاح للإدارة الجديدة حتى تعيد هذه الشركة الوطنية سيرتها الأولى ويعود قطن الجزيرة وخور أبوحبل كما كان في الماضي!! بقي أن نقول إن قرار رئيس الجمهورية محل تقدير كبير ويمثل قمة الاستعداد الرسمي للدولة لحسم ملفات الفساد متى ما ثبتت الحقيقة والبرهان والأدلة.