قال الله سبحانه وتعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» وقال تعالى: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين». وقال صلى الله عليه وسلم: «ليست العربية لأحد بأب أو أم وإنما العربية اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي» إن الخلفية التاريخية لتكوين أي شعب من شعوب الدنيا تكويناً قبلياً يقتضي أمر التطرق لها أن نذهب إلى أن القبيلة منذ النشأة الأولى كانت الحصن الاجتماعي الذي حفظ القيم والمثل والأخلاق ورعى التقاليد ووشائج القربى كما أن القبيلة ظلت وعاء التعاضد والتكامل الاجتماعي وقد أكد القرآن الكريم أن الإنسان خلق ضعيفاً وأن منعته وقوته تكمن في قدرته على العيش في جماعة يتعاون معها ويقاسمها شؤون حياته كلها فهو بغير ذلك واضح الهوان والضعف، وقال الله سبحانه وتعالى في ذلك «يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا» لذا فقد عاش الإنسان منذ فجر التاريخ في جماعات تكون في اجتماعها الأسرة والعشيرة والقبيلة التي يحتمي بها لمواجهة صروف الدهر ولم يسجل التاريخ أن الإنسان عاش متوحشاً كسائر الحيوانات دون جماعات تربطها وشائج القربى لذا نجد أن الانخراط في تنظيمات اجتماعية أساسها العرق والعنصر ورابطة الدم مسألة فطر عليها الإنسان لهذا نجد أن التكوين الأسري والعشائري والقبلي هو أقدم التكوينات البشرية عبر التاريخ وعرف الإنسان مفهوم السلطة والتنظيم منذ نشأته فشيخ القبيلة أو فارسها أو بصيرها أو حكيمها أو العارف بالأنساب والأسرار فيها هو الذي تؤول إليه الكلمة والسلطان في العشيرة أو القبيلة ويعطيه الأفراد جميعهم الحب والولاء والتبجيل وأن عشيرة المرء هم البشر الذين يعيش بينهم ويشاركهم في السراء والضراء والوجدان وهي النوع البشري الذي ينتمي إليه والفصيلة التي تأويه وللحماية والأنس وسائر شؤون حياته الاجتماعية وحقيقة إن سر الانتماء، القبلي هو ذلك الانتماء الوجداني العميق للأهل والقوم وللعشيرة الذي ينجم في الوجدان نتيجة للتعايش والتساكن وللعشرة الطويلة التي تغذيها عاطفة الانتماء إلى الجنس والسلالة المنشقة من عاطفة الحب للوالدين والإخوة، وكذلك التعلق بهما وبالأسرة والقبيلة والوطن، ونجد أن من أعظم ثمرات الولاء هو مراعاة مكارم الأخلاق وصون الأخوة وحفظ الكيان وحسن السلوك الذي يمثل الإرث الروحي للقبيلة لأن الانتماء القبلي كان بمثابة ميثاق أخلاق يلتزمه أفراد القبيلة ويدافعون عنه وكانت القبائل تطرد وتعزل من بينها من لا يلتزم بالسلوك القبلي القويم وذلك يمثل أقسى عقوبة لأولئك الأفراد الذين يتمردون ويخرجون على ميثاق الإلزام بمكارم الأخلاق وكان الخلعاء تُهدر دماؤهم في بعض الأحيان وكان للعرب خلعاء عُرفوا بالصعاليك نبغوا في الشعر الجاهلي كامرئ القيس وتأبط شرا والشنفرى وغيرهم وكانت عادة الخلع هذه بمثابة قانون صارم يحكم سلوك الأفراد ويلزمهم بعرف القبيلة وبطاعة سلطان شيخ القبيلة، ويمثل الانتماء القبلي عبر التاريخ الوعاء والبنية التي يتشرب الأطفال من خلالها مقومات الهُوية القومية ويكتسبون من خلالها الصفات الثقافية والوجدانية التي تجعل منهم كياناً واحداً يدافعون به عن ديارهم وهي هُوية ضرورية للأمن والاستقرار والانتماء للوطن والعشيرة، لكل ما تقدم فإن الصراع بدارفور المسلمة وأهلها والأجراء فهو وبكل المقاييس صراع خاطئ فلينتبه الأهالي هناك جميعهم بدارفور..