في ندوة شهيرة احتضنتها جامعة الخرطوم وأقامها التيار الإسلامي بالجامعة برزت الإنقاذ في مظهر القوة وكان ذلك طبيعيًا جداً طالما القيادي المتنفذ في الحزب والحكومة د. نافع علي نافع هو المتحدِّث الرئيس في الندوة، وقد أطلق تهديداته حينها للمعارضة: «الداير يقلب الحكومة يجي»، وتحدى أي حزب يريد إسقاط النظام بالقوة قائلاً: «ما بتقلعوها رجالة»، مهدِّدًا «من يحاول لن نعطيه إسكريم»، وبالقطع المسألة في فهم الإنقاذ نفسها ليس المقصود منها (رجالة الضراع) بعد أن أكَّد نافع «نفسه» وقتها أنهم مع التداول السلمي للسلطة.. تلك الصورة التي تُبرز فيها الحكومة عضلاتها وتصرع الأحزاب بالقاضية قد تطرح سؤالاً على شاكلة: أليس هناك من يقلق مضاجعها؟ وبشكلٍ أكثر دقة من يزعجها إن لم يكن يرهبها؟ هنا تبرز الجماعات المتطرِّفة والتي نحت منحى آخر باتِّباعها «منهجًا تكفيريًا» يتجاوز أحيانًا تكفير السلطان بتكفير المجتمع بإغلاقها المساحة الفاصلة بين الرأي والرأي الآخر وأحيانًا تحتكم للسلاح وفي أضعف الحالات للعنف بواسطة سلاح (العضل)، ومن هنا كانت الحرب الطويلة التي خاضتها ضدهم الحكومة والتي ظلت أي الحرب مستترة لفترة من الوقت وهي في مجملها حرب فكرية قامت على السجال والحوار القائم على العصف الذهني من جانب الحكومة.. وهو أمر أرهق الحكومة لفترة من الوقت، حتى أن القيادي بالوطني والوزير الأسبق حاج ماجد سوار أقرَّ بأنهم يخشون الجماعات المتطرِّفة سواء أكانت يسارية أم إسلامية.. ويبدو أن المسألة وصلت قمتها من خلال المعلومات المثيرة التي كشف عنها الرئيس البشير في بدايات الشهر الحالي والتي أذهلت الكثيرين في الحوار التلفزيوني الذي أُجري معه أعلن أن السلطات اكتشفت شروع مجموعة تكفيرية من الشباب تمت تغذيتهم وتدريبهم في العراق والصومال بدأوا في تصنيع المتفجرات والصواريخ باسم (الظواهري) وأنه وعلي عثمان ومدير الأمن والمخابرات حينها صلاح (قوش) من الشخصيات المستهدَفة، هذا إذا أخذنا في الاعتبار أن التطرُّف مسألة مرتبطة بسلوك الأشخاص في المقام الأول فضلاً عن أنه كلما كان هنالك تطرُّف في الاتجاهات الأخرى، يمكن أن يزداد في صفوف الإسلاميين، وأن معادلة التطرُّف تتناسب مع تطرّف الآخر بحسب حاج ماجد سوار في الحوار الذي أجرته معه الزميلة (الأحداث). وكان السودان قد شهد أحداث عنف دامية قُتلت على إثرها عشرات من المواطنين جرَّاء التكفير يأتي في مقدّمتها الهجوم الذي شنّه عبد الله الخُليفي يمني الجنسية وسودانيون في عام «1993» على مسجد لأنصار السنة بالثورة أم درمان عقب أداء المصلين شعيرة الجمعة أزهق «25» روحاً.. وكذلك حادثة الجرافة أم درمان التي وقعت في عام «2000» عندما هاجم رجل يُدعى عباس الباقر مسجدًا لأنصار السنة أثناء صلاة التراويح وقتل «20» شخصاً وجرح نحو «10» آخرين.. كما قادت الصدفة وحدها الشرطة لاكتشاف خلية بحي السلمة الخرطومي ضمّت مجموعة من الشباب كانوا يعتزمون قتل الأجانب في دارفور وذلك في عام «2007م» إذ انفجرت قنبلة بالمنزل الذي يقيمون فيه وجعل الشرطة تهرع للمكان.. وغير بعيد ما حدث فجر اليوم الأول من عام «2008» عندما أُغتيل الأمريكي غرانفيل وسائقه السوداني بالخرطوم بواسطة شباب يحسبون على تنظيم القاعدة، وللمفارقة فإن زعيم القاعدة الشهيد أسامة بن لادن كان هو أيضاً هدفًا لجماعات تكفيرية مجموعة الخُليفي على ما أعتقد إلا أنه كان يقيم في منزل محصن بحي الرياضالخرطومي.. وعلى الصعيد السياسي كالت جماعات يصفها البعض بالتشدُّد الاتهامات للحزب الشيوعي الذي تم تكفيره على أيدي الرابطة الشرعية للعلماء في «2010» قادت الشيوعيين لمقاضاتها.. وخارج العاصمة شهدت ود مدني عدة حوادث عنف منها حادثة استيلاء مجموعة متشدِّدة على حي طرفي بالمدينة «حلة عشرة» في عام «1997» أدّت لنشوب معركة بينهم وبين الشرطة انجلت بمقتل كل عناصر المجموعة، وفي ذات الأيام من العام الفائت وقعت مواجهات بالسلاح الأبيض بين جماعة التكفير والهجرة وكان بينهم أجانب ومصلون بمسجد بحي العشير بود مدني لجهة احتجاج الأوائل على ممارسات المواطنين خلال احتفالهم بالمولد النبوي.. الحادثة الثالثة كانت هجومًا وقع على مسجد بحي النصر «40» بواسطة رجل متشدِّد استعمل سلاحًا أبيض قُبض عليه لحظتها. حاج ماجد سوار في الحوار المذكور أعلاه قلَّل من موجة التكفير والتكفير المضاد التي سادت الساحة الفكرية والسياسية.. واعتبرها نتاجاً لخلافات في الرأي، بينما وصف وزير الإرشاد د. خليل عبد الله في ملتقى نُظِّم الأسبوع الفائت ظاهرة التكفير ب (الخطيرة للغاية) وحذَّر من وصولها إلى مرتبة الفتنة، ووضع خليل خارطة طريق تتمثّل في حسم الأمر بواسطة المحاكم، ودعا في حديثه ل (الإنتباهة) إلى محاورة الجماعات التكفيرية بعيدًا عن الإعلام، واستدل بحديث سابق للرئيس البشير بإدارة حوار مع شباب متشدِّدين بواسطة علماء من بينهم د. عبد الحي يوسف وعلاء الدين، وأشار خليل لعلامات الشخص المتطرّف الذي يصبح تكفيريًا منها التقلب بين الجماعات، وصدقًا لحديثه فإن عباس (الجرافة) كان عضواً بأنصار السنة، وخرج عليها ثم كفرها ومهما يكن من أمرٍ فإن المسألة في حاجة إلى حوار.. حوار عميق وقد فطن جهاز الأمن لذلك منذ عهد رئيسه الأسبق قوش الذي أدار الجهاز في عهده حوارًا مع تلك الجماعات بحسب مصدر.