لطالما اشتكت أحزاب المعارضة مما تصفه بالصلاحيات «الأخطبوطية» لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وللحدّ منها اصطفّت مع الحركة الشعبية قبل الانفصال في جبهة واحدة للمطالبة بتعديل مجموعة من القوانين في مقدمتها قانون الأمن الشيء الذي قوبل بالرفض من الحكومة والجهاز معًا، ولا تزال المعارضة عند موقفها ذاك حتى إن تسريبات صحفية أوضحت أن من ضمن أجندتها عقب الوصول لغاية الحكومة الانتقالية حل جهاز الأمن وقصر مهمته على جمع وتحليل المعلومات. ومن المفارقات أنه وفي الوقت الذي طالب فيه جهاز الأمن والمخابرات القومي من المجلس الوطني في جلسة سرية النظر في إنشاء قانون خاص بمكافحة التجسس لسد ثغرات تعجز القوانين الحالية عن لجمها يجد الجهاز نفسه أو الحكومة وربما المؤتمر الوطني في مواجهة تهمة التجسس من قِبل المؤتمر الشعبي، بواسطة أمينه العام د. حسن الترابي الذي أعلن في مؤتمر صحفي بمقر حزبه عن أجهزة تنصّت زُرعت بمكتبه وبالقاعة التي تُعقد فيها اجتماعات الأمانة العامة لحزبه، وبحسب موقع إسفيري فإن الترابي وبالرغم من أنه لم يستبعد فرضية ضلوع أجهزة مخابرات أجنبية في التجسس على حزبه لشعورها بالقلق من تمدد الحركات الإسلامية في العالم العربي إلا أنه بدا ميالاً لتحميل جهاز الأمن مسؤولية التجسس عليه، تلك الاتهامات تعيد للأذهان الحديث الذي أدلى به المدير العام لجهاز الأمن الفريق أول محمد عطا في حواره للزميلة «الأحداث» بقوله: «إن معرفتنا بما يدور في المؤتمر الشعبي كبيرة، وما بنسرق إذا كان في ناس مستعدين يُطلعونا على ما يجري داخل المؤتمر الشعبي، سواء بدوافع وطنية أو غيرها»، من جهته نفى القيادي في الوطني حاج ماجد سوار أن تكون لحزبه صلة بأي أعمال تجسسية ضد قوى المعارضة وقادتها، أما مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع فقد وصف اتهامات الترابي للحكومة بالتجسس بأنها محاولات لاستدرار العطف و«خلق قضية من ما في». وفي تفسيره للهُوّة ما بين تصريحات المؤتمرين وجهاز الأمن يشير الخبير الأمني العميد«م» حسن بيومي إلى وجود اختراق متبادَل ما بين الشعبي والحكومة، ولكلٍّ «ناسه» الذين التي يحدِّثون بما يجري في الطرف الآخر، ودعا للتمييز بين نوعين من التجسس، الأول الذي يتم من دول أخرى ويشكِّل خطورة على الأمن القومي للبلاد، والثاني ما تقوم به أجهزة الأمن في الحكومات الشمولية والديمقراطية من اختراق لأحزاب المعارضة، وفي حالة الشمولية يُعتبر الاختراق من قبيل المكايدات السياسية، وقال ل «الإنتباهة»: في عهد الرئيس نميري كان لجهاز الأمن عيون أعضاء من المعارضة تخطرهم بما يدور في تلك الأحزاب. ومعلوم أن أشهر قضايا التجسس بين المعارضة والحكومة تلك التي قادها الحزب الجمهوري الحاكم في أمريكا بقيادة ريتشارد نيكسون ضد الحزب الديمقراطي قُبيل الانتخابات سعى ريتشارد من خلالها للحصول على دورة ثانية في الحكم، وذلك عندما تم القبض على عدة أشخاص بصدد وضع أجهزة تنصُّت في مقر الحزب الديمقراطي في يونيو «1972».. في الواقع ليست هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها الحكومة أو الحزب الحاكم هذه التهمة، فقد أبرزت صحيفة «أجراس الحرية» في ديسمبر «2009» وثائق زعمت أنها تخص الوطني تطالب فيها شركات الاتصالات بالتجسس على هواتف قيادات الحركة الشعبية، الشيء الذي نفاه الحزب وقتها، كما نفت الحكومة الاتهامات التي أُثيرت حول عزمها التجسُّس على عملية استفتاء الجنوب ووصفتها بأنها مجرد تهويل إعلامي لا أكثر، وبينما أبدت أحزاب المعارضة انزعاجها من مقترح إعداد قانون للتجسُّس باعتباره موجّهًا ضدها، مما دعا رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان الفاضل حاج سليمان إلى نفي كون القانون يهدف للتضييق على المعارضة، وطمأنها بأنه سيكون منضبطًا ويحدِّد بشكل واضح ماهية التجسس، يحدِّث بيومي عمّا سمّاه مشكلة قوى المعارضة الأزلية مع القوانين ذات الصلة بالأمن، فإذا أُنشئ قانون جديد لجهاز الأمن فهي المعنية بذلك، وكذا الحال فيما يختص بقانون التجسس، وتساءل قائلاً: إذا وصلت المعارضة اليوم للحكم كيف ستحكم من دون هذه القوانين، ليرد بأنه لا بد لها من تلك القوانين لتستمر في الحكم، وأشار لضرورة مواكبة المستجدّات للحفاظ على أمن البلد عبر القوانين مشيرًا إلى القوانين التي استحدثتها الدول لمكافحة الإرهاب وقانون مكافحة الجريمة العابرة للقارات. على كلٍّ فإن اتخاذ الشعبي للإجراءات القانونية بالاتجاه لإدارة المباحث الجنائية رغم عدم ثقته بإمكانية وصولها لنتائج تكشف المتورطين باعتبارها مأمورة من جهات عُليا وفقًا للموقع السابق فإنه لا بد من نتائج رسمية سواء أرضت الشعبي أم لا، ليستمر الجدل بين المعارضة وجهاز الأمن في فضاء التجسُّس والعمالة إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.