لقد ارتبط اسم الدكتور تاج السر بكل ما له علاقة بالعمل الإستراتيجي في السودان، ونتيجة لهذه الشهرة التي ربما تكون مستحقة وربما تكون غير مستحقة إلا أن شهرته ب The Black English man قد كانت قطعاً مستحقة وربما تكون هي التي مهّدت له الطريق في الخطوط الجوية السعودية.. وربما تكون قد وفرت له هنا في السودان دفعة قوية.. فالسودانيون دائماً وأبداً يحسنون الظن في كل من يجيد أو ينبغ في لغة الفرنجة الأولى.. وبالتأكيد لم يكن للدكتور تاج السر شهرة في الحركة الإسلامية تؤهله لتبوؤ هذه المناصب الوزارية التي تسنمها في السودان أو في درجة الوزارة مثل إدارة الخطوط الجوية السعودية أو وزارة في ولاية كردفان التي تعود جذوره إليها «الرهد أبو دكنة» أو وزارة دولة في وزارة العمل وليس آخرها دوره مفاوضاً في وفد الحكومة لاتفاقية السلام «نيفاشا» والذي كان برئاسة د. غازي صلاح الدين.. ولا أدري إن كانت الرواية التي تُروى عن سبب مغادرته للوفد تصب في صالحه أم في صالح رئيس الوفد دكتور غازي المهم يقال إنهما اختلفا وغادر د. تاج السر المفاوضات مما أزعج جون قرنق وصار يسأل عنه بإلحاح. تجدر الإشارة إلى أن إدارته للخطوط الجوية السعودية كانت في أواخر الثمانينات وقبل بداية الإنقاذ.. وذلك يدل على أنه عاصر الإنقاذ منذ البداية وشارك في جميع مؤتمراتها الحوارية والقومية وتسنم هذه المناصب وأصبح أخيراً أميناً عاماً للمجلس القومي للتخطيط الإسراتيجي.. وقد أكمل المجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي دورة انعقاده الأولى عام 2010 وتهيأ لدورة الانعقاد الثانية. ويأتي كل ذلك في نهاية الخطة الخمسية الأولى 2007 2011 والتي لم يستطع د. تاج السر ولا د. كورينا في «منبر الرأي» تقديم شيء يسمن أو يغني من جوع حول إنجازات هذه الخطة. مع أن د. تاج السر هو صاحب القول إن منهج التفكير الإستراتيجي يقوم على ماذا تود أن تكون؟ وأين نحن الآن؟ وكيف نصل إلى ما نود أن نكون عليه؟ لقد كانت الرؤية في الخطة ربع القرنية للإستراتيجية الشاملة هي: «استكمال أمة سودانية موحدة آمنة متحضرة متقدمة متطورة».والمدهش أن الدكتور كان يتحدث عن مجهودات المجلس في دعم الوحدة حتى يوم 18/10/2010 ويتحدث عن ملتقى مروي وملتقى واو وملتقى كادوقلي وملتقى أويل أخيراً ويقول وربما قريباً ملتقى أبيي. وأيضاً يذكر الدكتور تاج السر أن من من مجهودات المجلس في دعم الوحدة التكامل الاقتصادي والتكامل الاجتماعي بين عشر ولايات، خمس من هنا وخمس من هناك، ويظن أن ذلك سوف يقلب ميزان القوى ويسند الدعوة للانفصال ويعترف بأن ولايات التمازج في القطاع الجنوبي أفادت من البرنامج أكثر من غيرها من الولايات في القطاع الشمالي. إذا كان شعار المجلس في أولى مكوناته ينادي بالوحدة.. وإذا كانت هذه هي إستراتيجية الوحدة تبناها المجلس فلا غرو أن تأتي نتائجه كارثية.. الانفصال وليس بأقل من 96% لصالح الانفصال وضد الوحدة. إن الأمين العام يستخدم مصطلح «أمة سودانية واحدة».. وأمة مفردة قرآنية وإذا صححنا استخدام الدكتور تاج السر فلا يمكن أن يكون السودان أمة واحدة إلا ببرنامج هداية ودعوة مكثف ينكب عليه مجلس الدكتور تاج السر بكل آلياته وهياكله وشخوصه. ولكن الذي لا شك فيه أن هذا ليس من هموم ولا أولويات المجلس ولا خططه الإستراتيجية ولا من قدرات ولا مواهب الأمين العام ولا من خبراته التراكمية. ففي باب الموجهات العامة للاستراتيجية القومية الشاملة جاء ما يلي: في المجتمع: القوى الكامنة والدافعة مرتكز رئيسي لتطوره ودورها في المجتمعات المحلية البحث عن مواطن الالتقاء في الحضارات عوضاً من البحث عن مواطن الخلاف. هذه هي رؤية الإستراتيجية والتي لا تعني أكثر من تقييد أي مجهود دعوي يمكن أن يقوم به المجتمع المسلم لصالح الإستراتيجية لأن ذلك ليس من همومها ولا من إستراتيجياتها. «في النظام السياسي: بناء خيارات الثورة في الشريعة والنظام السياسي الذي يتسع لكل اختلافات الفكر والرأي والعقائد الدينية بعيدًا عن استلاب الإرادة أو تزويرها وإثارة نوازع الفرقة والشتات والفتن» إذا كانت هذه الدغمسة هي برنامج الإنقاذ الإستراتيجي فقد وجدت الإنقاذ رجلها.. وها هو رجلها تاج «للسرّ ومحجوب أيضاً.. وينتمي إلى الطائفة التي اشتهرت بالدغمسة قبل الإنقاذ بعشرات السنين.. وهو قطعاً ليس شيوعياً.. ولا إسلامياً أصولياً.. فهو إذن رجل كل المراحل Man of all Seasons وليس فقط رجل هذه المرحلة. إن خطط الإنقاذ وإستراتيجيتها في عمومياتها وفي تفصيلاتها لم تقدم للإسلام شيئاً إلاّ الشعارات البراقة والطنانة والخطابة والعنتريات.. فها هي كل هذه الخطط تخلو تماماً من فكر دعوي إستراتيجي، بل حتى في مجال التعليم نشهد فشلاً ذريعاً بالرغم من أن التعليم هو من أولى المجالات التي حظيت بنظرة «أبو هاشمية» من السيد الدكتور تاج السر وكانت الخطة الخمسية الأولى هي ضربة البداية في الإستراتيجية التعليمية.. وبالرغم من ذلك نجد أن التردي في مجال التعليم وصل إلى غاياته القصوى خاصة في التربية الإسلامية والقرآن واللغات والرياضيات وأصبحت الإدارات مشغولة عن الرقابة اللصيقة بالمدارس حتى استطاعت منظمات وناشطو الأمم التحدة توزيع منشورات تحارب ختان السنة وتأخذ التعهدات من ولاة الأمور بعدم ختان بناتهم أي نوع من الختان وذلك من وراء ظهر الإدارة. والطامة الكبرى أن الإستراتيجية تقدم في علاقاتها الخارجية انتماءها العرفي على انتمائها الثقافي والمفروض أنه الانتماء العقائدي الذي يرتبط بعقيدة الولاء والبراء التي تتجاوز العرق ورابطة الدم بل وتتجاوز الأرحام والأصلاب عند المفاصلة.. إن إستراتيجية أي عمل في أي حضارة وفي أي زمن ومكان لا تستطيع ولا يجوز لها أن تتجاوز المقومات المادية والمعنوية بل إن المقومات المعنوية مقدمة على المقومات المادية وحاكمة لها وليست محكومة بها. إذا كانت الإستراتيجية من أصولها ربيبة الفكر العسكري فيجب أن تعلم أن النصر والهزيمة يرتبطان بالروح المعنوية وبالتخطيط وبالعقيدة القتالية أكثر مما يرتبطان بالعدة أو العدد «وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله». إن حسابات الربح والخسارة في كل الإستراتيجيات التي مرت : العشرية والأولى والخمسية الأولى ذات نتائج كارثية في كل المجالات في السياسة وفي الاقتصاد وفي الصناعة والزراعة وفي الشأن الاجتماعي وفي الشأن الأمني بل وحتى في الشأن العسكري البحت. وإن كل هذه الإخفاقات الإستراتيجية أدت إلى أن السودان أصبح الآن يخشى على أطرفه أن تقطع في أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق والغرب وكان يمنّينا بالوحدة ويؤسس لها بمنهجية دغمسلوجية تمثل في الواقع لغة الإنقاذ التي ظلت تخاطب بها الناس في جميع جماعاتهم ومجموعاتهم. إن خطأ الإنقاذ وخطيئتها أيضاً جرّدت الإستراتيجية من «السر» ومن الروح إن «سر» نجاح الإستراتيجية ليس هو «تاج السر» بل هو الإيمان وهو الوازع وهو التقوى وهو الورع.. وقد فشلت الإستراتيجيات فشلاً نوعياً لأن تاج السر كان حاضراً أما السر فقد كان غائباً وغيّبته الإنقاذ إما عن جهل وإما عن قصد. نختم بشعار الإستراتيجية ربع القرنية: تحت شعار أمة موحدة جاء ما يلي: بتعزيز الإجماع الوطني حول القيم العليا للأمة، والمصالح الكبرى للبلاد، وبتحويل التعدد والتنوع إلى مصدر قوة وعنصر إخصاب للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي وذلك وصولاً إلى درجات متقدمة من العيش المشترك بين الأديان والتلاقح الفاعل بين الثقافات والتمازج الحي بين الأعراق مما يتجلى لدى المشاركة العادلة الكاملة في ظل الولاء الوطني الصادق المتجدد.إن الإنقاذ تطالبنا بوحدة بلا دين.. وسياسة بلا تقوى واقتصاد بلا وازع وعلاقات سكانية بلا ورع وتربية وتعليم بلا تربية ولا تعليم.. وزراعة بلا توكل.. وصناعة بلا أمانة وحكام بلا زهد ولا تواضع. إن الإنقاذ وربانها الماهر يريدون أن يقودوا عربة التنمية البشرية والمادية بلا وقود.. ويريدون أن يقطعوا الفيافي والقفار بالأماني والأحلام، لذلك كان حظ الإستراتيجية الإنقاذية ليس بأكثر من حظ مسيلمة من إستراتيجيته الدعوية.. فمن رحمن اليمامة إلى مسيلمة الكذاب.. ومن رجل مبارك إلى رجل ملعون يتفل في بئر فيغيض ماؤها ويتفل في عين رمداء فتعمى.. إن الإستراتيجية الإسلامية الشاملة في متناول يد الإنقاذ لو أرادت.. وسنبسطها في صورة إجمالية قريباً إن شاء الله.