قبل عدة سنوات عندما كان يخاطب زعيم الحزب الشيوعى محمد إبراهيم نقد جماهير الحزب بمنطقة الديوم الشرقية، هتف بعض الشباب هتافات ماركسية بدت كأنها نقداً للقيادة، فقال لهم «نحن ما نطينا»، لكن الواقع يقول إن تجربة الحزب بعد وفاة زعيمه الراحل عبد الخالق محجوب قد شهدت تحولات وصلت حداً شبيهاً بالانقلاب الفكري للنظرية الكلاسيكية حتى بمفهومها غير المادي، سيما بعد منتصف الثمانينيات، ففي تلك الفترة كان الكادر الشيوعي المعارض لقيادة الحزب الراحل عمر مصطفى المكي قد صوب نقداً شديداً لها، خاصة في ما يتعلق بعلاقة الحزب مع القوى الحزبية التقليدية ورفضه التحالف مع اليسار وموقف الحزب المؤيد للديمقراطية الليبرالية التي بدت في خطاب الحزب باعتبارها خياراً آيديولوجياً وليس مجرد تكتيك مرحلي، فالراحل التيجاني الطيب قال في حوار مع صحيفة «الصحافة» في مايو 1980م «نحن بوصفنا حزباً طبقياً لدينا مفهوم للديمقراطية، ولكن ما نسعى إليه هو أن تكون هناك تعددية ونظام برلماني ديمقراطي وسلطة تنفيذية منبثقة من هذا النظام». وهو موقف يتقاطع مع موقف برنامج الحزب الذي يرى أن الديمقراطية الليبرالية تضيق من فرص التطور، وبرهنت على أنها مكشوفة للتدخل الاستعماري والتغول الرجعي في البلاد، لكن محمد إبراهيم نقد يقف موقفاً مختلفاً فهو يقول «يجب ألا نسلب حقوق الجماهير الأساسية والحريات الديمقراطية باسم الديمقراطية الجديدة أو باسم الديمقراطية الثورية أو باسم الشرعية الثورية في المستقبل»، وهو ما دفع بغلاة الشيوعيين إلى أن يصدروا بياناً في الخامس والعشرين من مايو 2004م، دعوا فيه إلى ما سموه دعاوى تصفية الحزب وانتزاعه من جذوره الطبقية، ليصبح واحداً كما قالوا من أدوات البرجوازية والرأسمالية الطفيلية، وقالوا إنهم يرفضون دعاوى التجديد وفكرة تغيير اسم الحزب، كذلك فإن معارضي نقد ينتقدونه لتجاهل الحزب التحالف مع اليسار والتقارب مع القوى السياسية التقليدية. ويرد نقد قائلاً: «إن الواقع السوداني في حراك سياسي وسكاني واجتماعي نتجت عنه تعديلات واسعة في الخريطة السياسية والاجتماعية، ومازال ذلك مستمراً، ونحن نسعى لاستيعاب هذه المتغيرات والتحالفات، لأنها لا تتم عبر الرغبة الذاتية»، وهو ما جعل كثيراً من المراقبين يعتبرونه زعيم البروستوريكا في الحزب الشيوعي، فهل تستمر هذه النزعة التجديدية المناوئة للكثير من المسلمات الكلاسيكية في الماركسية بعد رحيله أمس؟ أم يفرض الحرس القديم ومؤيدوه من الشباب المتحمس للعودة من جديد، الأدبيات الشيوعية الحمراء، رغم أنف المستجدات الظرفية والواقع الذي أفرزته التجربة بعد ما يقارب القرن من الزمان ودخول النظرية ومؤسسها في متحف التاريخ.