ها قد وقع وتحقق السيناريو الأسوأ في العلاقة بين السودان وجنوب السودان الذي سبق للرئيس البشير أن استعاذ منه، والسيناريو الأسوأ هذا هو انفصال الجنوب ثم تجدد الحرب واستمرارها بين الدولتين. وهو سيناريو «استحق» بجدارة وصف الأسوأ، ذلك أن اتفاق السلام الشامل الذي تم التوقيع عليه كان هدفه إيقاف الحرب بين الشمال والجنوب وكان مهر إيقاف الحرب وسيادة السلام هو انفصال الجنوب وإقامة دولة مستقلة قائمة بذاتها بناءً على حق تقرير المصير الذي أصرّت عليه الحركة الشعبية ووافقت عليه الحكومة السودانية باعتباره الملاذ الأوحد لنزع فتيل الحرب الطويلة ووضع أوزارها ليعيش الجانبان في حالة سلام كدولتين جارتين مستقلتين بعد أن فشلا في تحقيق التعايش السلمي بينهما في ظل الدولة الواحدة الموحدة. وبهذا الذي يحدث ويجري هذه الأيام بين الدولتين تكون «نيفاشا» قد فشلت كاتفاقية سلام في إيقاف الحرب وإحلال السلام، فقد انفصل الجنوب ولكن لم يتحقق الهدف الذي كان يرجى من هذا الانفصال وهو توقف الحرب، فهاهي الحرب دائرة بعدوان متكرر من دولة جنوب السودان على أراضي السودان وإصرار النظام هناك على هذا العدوان، وأي سيناريو أسوأ من هذا السيناريو؟. وجزء كبير من صفحات وفصول هذا السيناريو أصاب السودان بما كسبت أيدي المفاوضين الحكوميين الذين ارتكبوا أخطاء عديدة أصبحت لاحقاً ألغامًا انفجر منها ما انفجر وتبقى منها الكثير الذي لم ينفجر ولكن مصيره الانفجار لا محالة. والاساس الذي «بنت» عليه الحكومة أخطاءها هو أنها عولت على خيار الوحدة واستبعدت الانفصال، وبالتالي لم تحسب حسابه ولم تتأهب وتستعد لتداعياته المتوقعة حتى إذا ما وقع «المكروه» راحت تبحث عن الحلول والمخارج من الورطة التي لم تكن في الحسبان! ولكن كان الوقت قد مضى وفات على أي إمكانية لتدارك الأمر وإصلاح ما انكسر. وإني لأرى ذات هذا النهج تسير عليه الحكومة الآن في تعاملها مع دولة الجنوب، فهي ما تزال تعول على سلام السراب الخادع مع هذه العصبة التي تحكم الجنوب وتصدق أن ما يجري من مفاوضات في أديس أبابا يمكن أن يعيد الأمور إلى نصابها مرة أخرى، ما زالت تأخذ ما يهرف به الكذاب الأشر باقان وجوقته مأخذ الجد رغم ما انكشف قريباً من خداع وكذب ومكر كان العالم كله شاهداً عليه. على الحكومة أن تكف عن لعبة مطاردة خيط الدخان فهي لن تمسك به أبداً وإذا استمرت في هذه المطاردة فإنها ستقع في نهاية المطاف في الهاوية ويقع معها السودان، ومقولة «نفاوض بيد ونقاتل بأخرى» هي مجرد مقولة جوفاء قيلت مكابرةً وعزة بالإثم و لا معنى لها ولا محل لها من الإعراب في ظل هذا العداء السافر من جوبا ومجاهرتها بالاعتداء كل يوم على العمق السوداني واستهداف النفط عصب اقتصاد البلاد. نعم نحن نقاتل بيد ونفاوض بأخرى بينما جوبا تقاتل بكلتا يديها وتلهينا بلعبة المفاوضات، إن جوبا تقوم بعملية شراء للوقت بهذه المفاوضات ولكي تجعل الحكومة السودانية تقاتل بنصف عقلها وطاقتها فقط لأن النصف الآخر من العقل والطاقة معطل هناك في أديس أبابا يطارد في همة عالية خيط الدخان ويحاول جاهداً أن يشرب من ماء سراب بقيعة!. والمنطق الشعبي البسيط الذي يتداوله الناس الآن يقول إن دولة جنوب السودان لا تريد سلاماً مع السودان أبداً لأنها لو كانت تريده بالفعل لما أقدمت على الإعتداء على هجليج بعد سويعات فقط من اختتام وفدها زيارة للسودان وإبدائه حسن النية في بناء علاقات حسن جوار وتعاون وتقديمه دعوة للرئيس البشير لزيارة جوبا وما وجده الوفد من حفاوة بالغة وكرم فياض من الذين انطلت عليهم الخدعة فطربوا لكلمات باقان الذي جاء في ثياب غير ثيابه وتحدث بلسان غير لسانه حتى ذهب البعض من أنصاف «الاذكياء» وأرباع المحللين في تدبيج المقالات والافتتاحيات البائسة في تمجيد الوفد والروح «الجديدة» التي جاء بها، واسالوا مداداً كثيراً في التبشير بهذا «الفتح»، ويحضرني في هذه اللحظة ذلك الوصف الذي وصف به منصور خالد أشباه هؤلاء الكتبة في كتابه الفجر الكاذب، وتراودني رغبة شديدة في إيراد ذاك الوصف لوصف هؤلاء الذين تعجلوا في الكتابة منافحين عن باقان وجنوده ولكن يحول بيني وبين هذه الرغبة الجامحة التعفف والمراعاة للذوق العام!. إن الوحي قد انقطع بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين اتبعوا هديه في أمور دنياهم وأعملوا فطنتهم وكياستهم والتي هي نتاج الإيمان والذي يجعل القرآن صالحًا لكل زمان ومكان هو أنه حوى قصصًا وعبرًا وسننًا ظلت تتكرر وتعيد نفسها ولكن في صور أخرى فمن اعتبر بها وتأسى بها أفلح ومن اتخذها مجرد قصص وحكايات للتسلية أو التسرية فقط وظن أنها انتهت بالتقادم فلسوف يقع في المحذور ويؤخذ كما أخذ الأولون. اقرأوا القرآن بتدبر وطبقوه ففيه خبرهم وستجدون بين ثنايا آياته ومتون سوره ما يرشدكم إلى الجادة ويردكم إلى سواء السبيل، ويريكم حقيقة هؤلاء واضحة كأنها الشمس في رابعة النهار، ويرشدكم إلى منافذ الخروج من هذه الحيرة وتحقيق النصر عليهم عسى الله أن يكف بأسهم فهو أشد بأساً وأشد تنكيلاً.. «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم»