رئيس قسم البحوث بمنتدى النهضة والتواصل الحضاري خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأوجده في هذه الحياة الدنيا على طريقة تجمع بين الأفراح والأتراح، والملذات والآلام، والراحة والتعب، والصحة والمرض، فالحياة الدنيا لا تصفو لبشر على حالة واحدة بل يعتريه فيها ماينغص عليه صفوها، ويكدر عليه بهجتها، بفقد عزيز أو مرض أو فقر. ومهما عاش المرء في هذه الحياة الدنيا في صحة وهناء وغنى فلابد أن يعقب ذلك مايكدر صفو تلك السعادة. فما صفا لامرئ عيشٌ يسر به إلا سيتبع يوماً صفوه كدر فمن منغصات صفو العيش ورغده المرض. كلمة مرعبة، وحالة مفزعة، يهابه الإنسان ويبذل في مدافعته الغالي والنفيس لكي لايحل بداره أو ينزل بجواره، فالأمراض و الأسقام أدواء منتشرة إنتشار النار في الهشيم لا ينفك منها عصر ولايستقل عنها مصر ولايكاد يسلم منها بشر إلا من رحم الله. فهي أعراض متوقعة هيهات أن تخلو منها الحياة، فإذا لم يصب أحد بسيلها الطام ضربه رشاشها المتناثر هنا وهناك حتى قال القائل: ثمانية لابد منها على الفتى ولابد أن تجري عليه الثمانية سرور وهم واجتماع وفرقة ويسر وعسر ثم سقم وعافية فالأمراض والأسقام وإن كانت ذات مرارة وثقل إلا أن البارئ جل شأنه جعل لها حكماً وفوائد فلو تأمل المسلم ما فيها من حكم وأسرار وثمرات من الخير غزار لصبر على البلاء ورضي بالقضاء، فالمرض وإن كان بلاء ومحنة إلا أنه يحمل في طياته جزاء ومنحة، فمن ثمرات الابتلاء بالمرض أنه سبب لتكفير الذنوب و السيئات فقد جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به سيئاته كما تحات الشجرة ورقها». قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها؟ قال: كفارات قال أبي بن كعب وإن قلَّت ! قال صلى الله عليه وسلم وإن شوكة فما فوقها وجاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب فقال: مالك يا أم السائب تزفزفين ؟ قالت: الحُمى لابارك الله فيها.فقال: لاتسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد. ومن ثمرات المرض أنه سبب في كسب الحسنات ورفع الدرجات ويدلّ على ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: طرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقلت لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لايصيب المؤمن نكبةٌ من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع بها درجة. أخرجه أحمد وصححه الحاكم. ويروى أن أحد السلف أصابه مرض في قدمه فلم يتوجع ولم يتأوه بل ابتسم واسترجع فقيل له يصيبك هذا ولاتتوجع فقال: إن حلاوة ثوابه أنستنى مرارة وجعه، ومن ثمراته أنه سبب في دخول الجنة. جاء في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: يا ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثواباً إلا الجنة.وممايشهد لذلك أيضاً حديث المرأة التي كانت تُصرع فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك.فقالت أصبر ولكني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها. فكما أن المرض سبب في دخول الجنة فهو أيضاً سبب في النجاة من النار. روى الإمام أحمد وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضا من وعك كان به فقال: أبشر فإن الله عزوجل يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة. فالمرض رغم مذاقه المر وألمه الشديد إلا أن عاقبته أحلى من العسل المصفى، روى الترمذي بسنده عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض». تلك ثمرات المرض وفوائده الإيجابية فعلام يضجر المريض ويجزع مما أصابه! ورغم ماذكرنا من فوائد وثمرات للمرض فلا يظن أحد أن المرض مطلب منشود وأمر مرغوب كلا، بل لاينبغي لمؤمن أن يتمنى البلاء ولا يسأل الله أن ينزل به المرض فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية رواه النسائى وابن ماجه قال مطرف: لئن أعافى فأ شكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر، وبذلك يتضح أن المرض ليس مقصوداً لذاته وإنما لما يفضي إليه من الصبر والاحتساب و حسن الثواب وحمد المنعم على كل حال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المصائب التي تجري بلا اختيار العبد كالمرض وموت عزيز عليه.. إنما يثاب على الصبر عليها لا على نفس ما يحدث من المصيبة لكن المصيبة يُكفر بها خطاياه لأن الثواب إنما يكون على الأعمال الاختيارية وما يتولد عنها، فالإسلام لايمجد الآلام ولايكرم الأوجاع بل يحمد لأهل البلاء والأمراض صبرهم ورباطة جأشهم وحسن يقينهم بالله. قال تعالى: «مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما» [النساء الآية 147]، فالأمراض والآلام طهور يسوقه الله بحكمته لعباده المؤمنين لينزع منهم ما يستهوي قلوبهم من متاع الدنيا حتى لايطول انخداعهم بها فيركنوا إليها ورب ضارة نافعة وكم من محنة في طيها منحة وفي غُرْمِها غُنْمٌ.