كنت في سنوات طفولتي.. ألهو مع بنات عمي أمام منزلنا القديم، والذي كان يقبع أمامه دكان بقالة صغير، يديره رجل طيب بشوش هو عم «حسين».. لم ينهرنا يومًا عن اللعب أمام دكانه.. مما كان يشعرنا بالأمان ويزيد من سعادتنا، خاصًة إذا نادى على أحدنا...أنا أو ابنة عمي التي تسكن الشقة التي تعلونا....كنا نتسابق إليه لكي نفوز بحبة «الكرملة» أو النعناع مقابل أن نحمل قرطاس السكر لأم إبراهيم جارتنا الأرملة التي تسكن بالدور الأول، نعطيه لها، ثم نصعد إلى أمهاتنا نغتسل، ونتناول وجبة الغداء، ومع أفول الشمس نعود مرة أخرى للهونا أمام دكان عم حسين.. فينادي.. فنتسابق.. أحيانًا يصل عدد قراطيس السكر إلى ثلاثة أو أربعة في اليوم، مما أثار الشك لدى زوجة عمي «عبد الله» التي أسرت إلى أمي بذلك.. وأفضت أمي إلى زوجة عمي مصطفى التي تسكن بجوارنا... «53» اجتمع ثلاثتهن والشيطان رابعهن.. عازمات علىكشف المستور.. كانت تقودهن عنايات زوجة عمي عبد الله التي نبهت علينا ألا نحمل قرطاس السكر القادم إلى أم إبراهيم... بل نحمله إليها..!! عاودنا الهبوط إلى الشارع.. نادى عم حسين بلهفة.. هرعنا إليه.. حملت القرطاس بحرص شديد، كمن يحمل قنبلة أوشكت على الانفجار.. وضعته بين يدي زّوجة عمي عبد الله، التي هرعت إلى أمي، ونادوا على ثالثتهن... التففن حول القرطاس.. أخذن يفرغن محتوياته... نعناع.. كرملة..لبان.. نقود... ورقة مطوية...! وقليل من السكر!التقطت إحداهن النقود تعدها.. امتدت أيادينا الصغيرة تلتقط حبات الكرملة والنعناع... أما الورقة المطوية.. فلقد أخذتها زوجة عمي عبد الله.. «54» نادت ابنتها لتقرأها عليها.. «زوجتي الحبيبة أم إبراهيم».. شهقنا جميعًا.. زوجته..!!! منذ متى؟! يهدك يا أم إبراهيم.. والعيال؟... السهتانة!! أكملي يا بنت... «وحشتيني.. وحشتيني.....» هي أم إبراهيم يتقال لها وحشتيني؟!... مصمصة وقهقهة.. أكملي... «رغم أنه لم يمض على لقائنا سوى ساعة واحدة.......» كان معاها منذ قليل وبيرسل لها جوابات..؟هاها ها...... وبعدين.. «منذ افتراقنا وأنا أتعجل الدقائق والساعات للقائنا القادم..... قبلاتي الحارة» حارة..!! لإم إبراهيم.. كيف؟! ها ها ها... قرر أبي وأعمامي أن يتناوبوا السهر على درج المنزل، ليعرفوا هل يقابلها بشقتها.. أم بالخارج... «55» مضى الهزيع الأول من الليل.. وكان من نصيب أبي...ثم تناوب منه عمي مصطفى.. وأخيرًا كان عمي عبد الله، الذي فضل الجلوس أمام باب شقة أم إبراهيم مباشرة .. ومع أول خيوط الشمس، سمع عمي وقع خطوات خفيف على الدرج... استمر الصوت حتى أصبح عم حسين وعمي عبد الله وجهًا لوجه! إلى أين يا حسين..؟! إلى زوجتي يا عبد الله... متى؟ وكيف؟! منذ شهرين... أمعك قسيمة زواج؟ اتفضل.. ما هذا؟!...زواج عرفي..! استغفر الله...هذا زنا، ولا أعترف به، هذا بيت عائلة... لا تدنسه.. خذها بعيدًا عن هنا... انصرف عم حسين عائدًا إلى دكانه.. 56 صعد عمي إلى شقته.. أسرع ابن عمي بارتداء ملابسه.. هبط الدرج في عجل...غاب عن المنزل ما يقرب من ساعة.. ولما عاد..أخبرنا أنه اصطحب بعض أصدقائه، وذهبوا إلى المنزل الذي تقطنه أسرة عم حسين... كتبوا على الجدران بالطباشير خبر زواج عم حسين من أم إبراهيم عشرات المرات... كان لعم حسين ثلاث بنات، عرفن بالشراسة، وزوجة ذات بأس.. فوجئنا بهن قبل منتصف النهار، وقد استأجرن عددًا من النسوة يبغين اقتحام شقة أم إبراهيم...عازمات على الفتك بها وبأولادها.. حاول أبي وأعمامي أن يحولا دون ذلك... وحاول عم حسين أن يثني بناته والنسوة.. لكنه سقط بينهن مشلولاً.. حمل إلى منزله.... هرعن خلفه...في العام التالي.. توفي عم حسين... وتزوجت أرملته عرفيًا من عمي عبد الله.