واقع صناعة الصحافة في السودان والأزمة الخانقة التي تعانيها هذه الأيام والمتمثلة في شح الورق والتي نجم عنها غياب بعض الصحف لأيام متتالية وتقليص بعضها لعدد صفحاتها وتخفيض البعض الآخر للنسخ المطبوعة منها إلى جانب عدم صدور بعض منها بانتظام يتطلب وقفة حقيقية لبحث الأمر فهل من انفراج وشيك لأزمة ورق طباعة الصحف التى أطلت برأسها من جديد بعد أن رفضت عددٌ من البنوك وتردد البعض الآخر في منح اعتمادات خاصة باستيراد «الورق» باعتباره ليس من أولوياتهم، ويُتوقع تدخل رئاسة الجمهورية لوضع علاج للأزمة التي باتت تهدد عددًا من الصحف بالتوقف، خاصة أن هناك أكثر من «50» صحيفة رياضية واجتماعية وسياسية تصدر بالخرطوم وبعضها لا يتجاوز إنتاجها «800» نسخة فى اليوم مما أدى إلى تذبذب صدورها والبعض مازال يقاوم الأزمة وكثير من الصحف وقفت عاجزة عن سداد مرتبات الصحفيين بها لكساد السوق وشح الورق حتى أصبح توزيع جميع الصحف مائة ألف نسخة في اليوم بعد أن كانت هذه النسبة تطبعها صحيفة واحدة، وبما أن صناعة الصحافة أصبحت سيادية من حيث السياسات والتسهيلات فتدخُّل رئاسة الجمهورية أصبح الآن ضرورة ملحة. فاستيراد الورق مرتبط بالظروف الاقتصادية، ويظهر ذلك جليًا بدخول البلاد في مشكلة جراء المشكلات العالمية، ونتج عنها شُحّ في العُملات الحُرة مما اضطر الدولة أن تعطي أولويات لاستيراد السلع الضرورية أكثر من الورق، إذ إن مجمل القطاع الصناعي تأثر بها لما يواجهه من صعوبة في فتح اعتماد في بنك السودان ليمكِّن المستوردين من إدخال المُنتجات الصناعية مثل ورق الصُحف والأنواع الأخرى من المنتج، فورق الصحف استيراده محصور لدى بعض المستوردين وأصحاب المطابع الذين لديهم مقدرة على الاستيراد، الأمر الذى خلق شُحًا في الورق كما أن عدم تعدد جهات الاستيراد يمثل عقبة كبيرة، وأغلب الورق يتم جلبه من أماكن بعيدة، وفتح الاعتماد إلى وصوله يحتاج إلى فترات طويلة «3 4» شهور في الحالات العادية، مما يمثل معضلة أخرى على القطاعات التي تعتمد عليه.. الأزمة فتحت الباب لجشع بعض الموزعين الذين استغلوا الأزمة وباعوا الصحف للسوق السوداء حتى وصل سعرها إلى خمسة جنيهات والبعض بدل البيع وجد في الإيجار ربحًا أكبر فيتم إيجارها بخمسة قروش. أزمة عالمية أصحاب المطابع الذين استطلعتهم «الإنتباهة» ذكرو أن الورق يمثل «75%» من تكلفة إصدار الصحيفة، ويعتبر عاماً اساسيًا بالنسبة للصحيفة والمطبعة، معًا ومسؤولية توفيره تقع على صاحب المطبعة، وتعتمد الصُحُف على المطابع في طبيعة إصدارها، ولأن الورق يتوقف على أسعار البورصة العالمية ويتأثر بالأحداث السياسية الكُبرى، نجد أن أسعاره ترتفع في هذه الأيام، فمع الانتخابات الأمريكية مثلا تحدث أزمة وارتفاع في أسعار الورق، غير أن أغلب مصانع الورق توجد في أوروبا وجنوب شرق آسيا وروسيا وتحتاج إلى إمكانات ضخمة، علمًا بأن الصحف السودانية كلها تُطبع على الورق المُحسن«improved paper» وهو ورق عالي التكلفة حتى الدول التي تُصنِّعه لا تستخدمه، والصحافة في السودان يتحكم فيها الإعلان، فكل شركات الإعلان تشترط ورقًا ناصع البياض حتى تمنحك الإعلان الذي تعتمد عليه الصحف بشكل رئيس.. أصحاب المطابع ذكروا ل«زووم» إن زيادة أسعار الورق ليست زيادة محلية بل هي سوق تتحكم فيها السوق العالمية، لأنه يُستجلب من الخارج، أما بالنسبة لورق الصُحُف فنحن نقوم باستيراده حسب الاستهلاك المحلي، وهو الآخر مربوط بالزيادة العالمية «والحديث على لسان أحمد صالح نيابة عن مستوردي الورق»، فالصحيفة الواحدة تستهلك في المتوسط اليومي «التي تصدر في 25 نُسخة» ثلاثة أطنان من الورق، والطن الواحد سعره «375» جنيهًا، هذا غير تكاليف الطباعة.. ويقول صاحب إحدى المطابع إن الدولة تقوم بتسهيل إجراءات الاستيراد وتمنعها عن أخرى.. سوء تخطيط ويؤكد أصحاب المطابع أن أسعار الورق عمومًا مرتفعة جدًا، والمطابع ليست لديها المقدرة على الاستيراد، و تعتمد على تُجار السوق في توفيره «الأمر الذى يجعل سعره مرتفعًا»، بجانب انعدام التنسيق بين المستوردين، فالاستيراد يتم بصورة عشوائية، إذ لا توجد نقابة أو جهة تنظم عملهم. لذلك في بعض الأوقات تحدث وفرة غير مُبررة وأحياناً شُح غير مُبرر، فسوء التقديرات «غير المقصودة» وسياسات التجار هي التي تحكم سوق الورق، إضافة إلى تأثير عامل السياسات المالية التي صدرت من بنك السودان، وبعد الأزمة المالية ووضعها لقيود صعبة لفتح الاعتماد، الأمر الذي انعكس سلبًا على المستوردين وأصحاب المطابع وكل القطاعات التي يتعلق عملها بصناعة الورق،ومن بينها الصحافة، لينعكس ذلك مُباشرة على أصحاب المطابع في انخفاض ربحيتها، لأن الصحف أسعارها ثابتة والورق أسعاره متذبذبة وتكلفة الطباعة ثابتة، «5 سنوات نطبع بنفس السعر ونتحمل الخسارة خوفًا من أن نفقد الصحف.. إذا توفر النقد الأجنبي سوف يستقر سعره خاصة وأن الأزمة تكمن في عدم فتح الاعتمادات وتوفر العملة الصعبة. مشكلة محورية رئيس غرفة الطباعة باتحاد الغرف الصناعية عبد الله الطيب أرجع الأزمة إلى عدم توفير العملة الصعبة لصناعة الورق، وقال إن بنك السودان المركزي لم يقم بتوفير عمله صعبة للقطاع الصناعي على العموم والطباعة على الخصوص، وطالب بفتح اعتمادات للقطاعات المنتجة، وحذر من تفاقم الأزمة مبينًا أن صناعة الورق مشكلة محورية ويعاني منها السودان وقطاع الطباعة كقطاع إنتاجي مما يستدعي ضرورة تميزه وأن حجم الضرر مازال غير مرصود فهناك عدد من المطابع توقفت وتدنى إنتاج أخرى من «505» إلى «15%»، الأمر الذي يؤثر على قطاع الصحافة، ووصف معالجات الأسعار والتكاليف بالجراحات القاسية للإنتاج الصناعي، الامر الذي يؤكد استحالة الحل الكامل للمشكلة، وذلك يرجع للظروف الحالية التي تمر بها البلاد، وطالب بإعفاءات وأولويات جزئية حتى لا يتوقف الإنتاج. . قيود تعجيزية أرجع ناشرون أسباب شح الورق إلى أزمة عالمية. فالكميات المعروضة الآن في السوق العالمية ضعيفة؛ وذلك لتوقف بعض مصانع الورق عن الصناعة لأسباب اقتصادية، كما أن ارتفاع أسعار البترول أدى لارتفاع أسعار الورق لارتباط صناعته بالطاقة، وهو ما أدى لأن يرتفع سعر الطن محلياً. وأن سياسات بنك السودان المركزي الخاصة بالاستيراد فرضت قيوداً تعجيزية على الموردين الذين يعانون من ضعف أو محدودية إمكاناتهم المالية التي لا تمكِّنهم من فتح اعتمادات مالية معززة بمبالغ كبيرة لاستيراد كميات كبيرة من الورق.. بجانب الزيادة في الاستهلاك بعد صدور عدد من الصحف الجديدة التي لم يُحسب ويُخطَّط لها من قبل الموردين الذين لم يحتسبوا الزيادة في الاستهلاك بالإضافة لتأخير وصول بعض الشحنات، كما أن السودان ليس لديه مخزون إستراتيجي من الورق بجانب أن الصحف الآن تعاني من أزمات مالية متراكمة عليها لصالح المطابع التي أثرت سلباً على قدرتها على الاستيراد لذلك قد تشتد هذه الأزمة لعدم توفر المعلومات الخاصة بوصول الشحنات الجديدة خاصة وأن شح الورق يقود لبعض الممارسات كالتخزين والسوق السوداء بالإضافة إلى أن الناشرين ليس لديهم تنظيم للتنسيق مع الموردين وأصحاب المطابع لتوفير مدخلات الإنتاج لضمان انسياب الورق وجميع مدخلات الطباعة بطريقة سليمة ومستمرة. أزمة وقتية أكد وزير التجارة الخارجية، عثمان عمر الشريف، أن أزمة ورق الطباعة الحالية وقتية، وتعهد بحلها بالتعاون مع بنك السودان والقطاع الاقتصادي، وكان حديثه على هامش افتتاح المعرض الدولي للطباعة والتغليف، أن الحكومة تتجه لإنشاء مصنع ورق لحل المشكلة بصورة جذرية. وشدَّد الوزير على ضرورة إيلاء قطاع الصحافة الاهتمام اللازم، بتوفير مدخلات الإنتاج وكفالة الحريات والتسلح بالمعرفة والثقافة، عماد الدين محمود مدير عام التجارة الخارجية بوزارة التجارة قال إن الوزارة فتحت جميع أبواب الاستيراد لكل السلع بما فيها الورق الذي لا توجد أي قيود مفروضة على استيراده لكن النقص في استيراد الورق يعود لعدم وجود معلومات للوزارة عن الكميات الواردة لتهتدي بها الوزارة والمستوردون فنحن نواجه عوائق في تنفيذ آلية جمع المعلومات خاصة تلك المتعلقة باستيراد الورق.. من المحرر من خلال هذه الجولة تبين أن المعضلة تكمن فى قلة الإمكانات لدى بعض المؤسسات، فهنالك بعض الصحف تستورد ورقها عن طريق البنوك، واتحاد الصحفيين دعا إلى دمج الصحف فى مؤسسة واحدة، وهذا قد يحل المُشكلة جزئيًا ويزيد من رأس المال، لكنه هل يعتبر حلاً يؤهلها لمواصلة مشوارها؟ خاصة أن الدمج أثبت فشل تجربة دمج «الصحافة والحرية والصحافي الدولي».. البعض نادى بتجميد وإلغاء الديون المتراكمة على المؤسسات الصحفية، وأدى ذلك إلى نتائج إيجايبة، فقد اهتمت بعض المؤسسات الصحفية بتوفيق أوضاعها واستفادت من هذه الفرصة، فملزمة الطباعة تحتاج في المتوسط إلى «10.000» جنيه وأقل جريدة تحتاج يوميًا إلى «4000» جنيه للورق والطباعة. الأزمة أساسها ارتفاع الأسعار فلماذا لا تخفف الدولة الضرائب على مدخلات ورق الطباعة؟ ولماذ لا تقوم الدولة بتصنيع الورق وهل إنتاجه داخليًا يحل الأزمة؟ أو الوصول إلى مصادره العالمية بطريقة سهلة وأسعار مُتاحة وإجراءات غير مُعقدة، أو يتبنى مجلس الصحافة فكرة تأسيس شركة لاستيراد الورق؟، ومن ثم تقليل التكلفة بالحصول على إعفاءات من وزارة المالية وتقليل أسعارها للناشرين؟، فهل من يدخل في صناعة الصحافة ولا يملك القدرة والاستعداد لا يتمكن من الاستمرار في مجال العمل؟