لئن عاش الشيوعيون واليساريون في حالة عزلة في المجتمع، ولئن فشلوا في إيجاد وسائل تزينهم وتزين توجهاتهم وأفكارهم في مجتمعنا، فإن ذلك من غير مستغرب، بل هو واقع نعيشه ومنذ زمان طويل، ولئن تمسكوا بخيوط رقيقة وأحداث موسمية عابرة بحثاً عن إثبات الوجود فهو الأمر المشاهد والواقع «الممجوج»، فقد سعوا لأن يجعلوا من قصة «بنطلون الصحافية» قضية كبرى حتى أصبحت من الأحداث الدولية، شارك فيها بعض أصحاب المناصب الرفيعة في دول غربية !! وبعد حين رأوا أن في فيديو الفتاة «المجلودة» والإسلام بريء من طريقة جلدها رأوا أن فيه مخرجاً لعزلتهم وتزييناً لتشوهاتهم الخَلْقِيّة .. وبنفس الأسلوب كانت تصرفاتهم ومقالاتهم وتعليقاتهم في فيديو الفتاة «المغتصبة» ، ولم يجدوا في ذلك وأشباهه ما يحقق لهم تلك الأماني، ومازالوا يبحثون عن وسائل، ومن عجائب وسائلهم وأنواعها، أنهم من أكثر المحتفلين بذكرى قتل المرتد محمود محمد طه، ومن أكثر من يعتني بلفت الانتباه إليها، وعند سؤال بعضهم عن سر عنايتهم بالذكرى السنوية لقتل مدعي الرسالة الثانية في يناير من كل عام.. رغم ما يظهر من كثير من صور الاختلاف بين الفكرتين الشيوعية والجمهورية أجاب أن سبب ذلك يرجع إلى أنه شخص تجرأ على إظهار التحرر من الدين الموروث، وأعلن على الملأ أنه أقبل على حرية الفكر، دون التقيد بالمفاهيم التي عليها علماء وعامة المسلمين. ومن عجائب ما توصلوا إليه من وسائل تحالفهم قبل عدة أشهر مع حزب المؤتمر الشعبي!! فمهما تكن الأهداف المشتركة التي جمعت بين «الشعبي والشيوعي»، ومهما تكن معارضة الشعبي الحالية للدولة، إلا أنه لم يكن في الحساب أن يتحالف الشيوعيون مع حزب رئيسه الترابي وأمينه العام السنوسي!! وقد تناولت هذه المسألة في مقالين سابقين بعنوان: حزب المؤتمر الشعبي وتبريرات التحالف مع الشيوعيين. إنها قلة الحيلة !! ومحاولة إثبات الوجود رغم حالة «التبخر».. التي يعيشها حزب الشيوعيين.. ويزيد الحال سوءاً غياب الرؤية الواضحة في قضايا أساسية، ومن ذلك بيان الموقف الواضح للشيوعيين من الإلحاد، وما الموقف من الأديان عموماً والدين الإسلامي على وجه الخصوص؟ وما التبرير الصحيح لتباين المواقف فيما بينهم؟! فإن منهم من يتبنى الإلحاد !! ويحارب الأديان ويرى أن الدين «أفيون الشعوب»، ومنهم بل من زعمائهم من يوصي بأن يصلى عليه ويدعو له فلان بعد موته !!! وما القضايا والمبادئ التي يتبعون فيها هؤلاء «الأبناءُ» «الأبَ» وهو الحزب الشيوعي الروسي «الأصل»؟! فالأصل في التابع أن يكون تابعاً كما هو معلوم، وقد فشلت النظرية الاشتراكية في سياسة الاقتصاد والمال، بعد فشلها في محاربتها الأديان. ومهما استحدث الشيوعيون من وسائل للفت الانتباه، في محاولات إثبات الوجود واستمرار «النضال».. إلا أنه لم يكن من المتوقع أن يتاجر «بعضهم» بلحظات دفن الموتى، وساعات مواراة الثرى على بعض المتوفين، والذي لزم منه الاعتداء على حق أهل المقابر وسكانها!! إن المقابر هي «دُور» ، ومنازل ومساكن وبيوت، ومن دفنوا بهم هم «سكانها وأهلها».. فهي ديارهم ، وهم في دار برزخ، ولذلك فإن من يدخل المقابر يقول: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ» رواه مسلم وغيره. فكما يسلم على أهل البيت الأحياء فإنه قد ورد في هدي النبي عليه الصلاة والسلام، السلام على أهل هذه الديار.. كما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الجلوس والقعود على القبور، فقال في أحاديث كثيرة: «... وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا» رواه مسلم، وقال: «لا تقعدوا على القبور» رواه النسائي وصححه الألباني، ولما رأى عليه الصلاة والسلام من يمشي بين القبور بنعليه أمره بنزعهما، فقد ورد في الحديث: «وَحَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَظْرَةٌ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِى فِى الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ فَقَالَ «يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ»، فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا». وهو توجيه نبوي كريم بعدم المشي بالنعلين بين مراقد أهل هذه المنازل. هذا جزء من حق هؤلاء الموتى وبعض الآداب لمن يدخل هذه الديار ويمشي بين منازل أصحابها، وأما لحظات التشييع فهي في مجتمعات المسلمين وفي مقابرهم لحظات اعتبار واتعاظ وحزن وألم الفراق، ولذلك فقد أحسن البراء بن عازب رضي الله عنه الوصف بقوله: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير..» رواه أحمد وغيره وصححه الألباني، ومن كان الطير على رأسه فإنه لا يتحرك يميناً ولا يساراً ولا يرفع صوتاً. وعشنا وعاش من قبلنا في هذا المجتمع وهذا الحق محفوظ، وهذه الآداب الكريمة مرعيّة، حتى خرج علينا بعض الشيوعيين واليساريين وهم يعانون من أمور كثيرة أبرزها الفشل الذريع في تحقيق الحد الأدنى من أهدافهم.. وإثبات وجودهم.. وادعاء أنهم الحريصون على مصلحة عامة الناس!! خرج علينا هؤلاء بما لم يكن متوقعاً.. وهو أن يتخذوا من أماكن الدفن ولحظاته في المقابر أماكن ولحظات للهتافات، وترديد الشعارات، والمناداة بالحرية وغيرها، وصاحب ذلك تزاحم بين النساء والرجال، وحتى أصوات النساء ملأت في تلك الهتافات فناء ديار ومنازل أهل القبور!! ومن عجائب ما سمعنا به أن تجري قناة فضائية عالمية حواراً مع أحدهم في لحظات الدفن!! وقد رأيت بعض مقاطع الفيديو التي رفعت على شبكة «الانترنت» فرأيت العجب.. وسمعت ترديد الهتافات التي اشتهر بها الشيوعيون واليساريون، ورأيت تدافع الفتيات ومشيهن بين القبور في تلك اللحظات، ورأيت في المقابل تضايق وغضب أهل بعض الموتى الذين تم تشييعهم وقد ضاقوا ذرعاً باستغلال جثمان قريبهم للمتاجرة به، وإظهار الشعارات التي تظهر وتثبت وجود واستمرار «النضال»!! ورغم أن التعدي في هذا الأمر كبير، والتجاوزات في هذه التصرفات غريبة على هذا المجتمع، إلا أني لم اطلع حتى الآن على من تناولها ووجّه النصح بشأنها، وعند المقارنة بين هذه التصرفات والتي تكررت في أكثر من جنازة وفي فترة متقاربة وتصرف أحد أئمة المساجد «المجهولين» عندما أخطأ وطلب من أحد المصلين التأخر من الصف الأول، وقد اطلعت على مقالات كثيرة كتبت في الإنكار على ذلك الإمام والذي لا يشك في خطئه إلا أن خطأه إن صحت الحادثة لم يكن ظاهرة وأمراً يتكرر وقوعه في المجتمع. إن إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الجديدة والغريبة في المجتمع، مع أنه يؤكد ضعف وقلة حيلة الشيوعيين واليساريين في إيجاد ما يلفتون به الانتباه إليهم وإلى أفكارهم المرفوضة في مجتمعنا، خاصة مع الإقبال الكبير من مختلف طبقات المجتمع على الدين الإسلامي العظيم الذي ختم الله به الأديان والحرص على شعائره والرغبة الواضحة في تعلم أحكامه .. إن إلقاء الضوء على هذا النوع من «النضال الجديد» يؤكد ما سبق.. فإنه يُذَكّر جهات الاختصاص وكل من أدرك خطأ هذه التصرفات، والعلماء والدعاة بتوعية المجتمع من هذه المخالفات التي فيها من التعدي على أحكام وشعائر دينية، وفيها من التعدي على حقوق المقبورين، وقد سبقونا إلى سكنى تلك الديار وإنا بهم لاحقون، وكم من فتنة سهل علاجها عند أول ظهورها، فإذا تساهل المجتمع في شأنها كبرت واستعصت على المصلحين.. وربما هذا جزء من ثقافة «الدَمْدَمَة» أو قل «الدغمسة» التي لها وجود كبير في مجتمعنا.. ومن أراد أنموذجاً أو برهاناً واحداً من واقعنا هذه الأيام لذلك، فليتأمل الفتنة التي آل إليها من اشتهر بأن: محايتو «بيبسي»، وحُوارو ......!! اللهم اهدِ كل من ضلَّ عن سبيلك، ووفق كل من تحمَّل أمانة لأدائها على الوجه الصحيح.