كثير من الناس يظنون ان الوقود الذي يعبئونه في خزانات سياراتهم يأتيهم على هيئة ذلك البنزين الصافي الذي يسر الناظرين. ولكن الواقع يقول غير ذلك إذ أن عمليات تكريره عمليات معقدة. هذا كوم. والكوم الآخر هو أن عمليات إستخراجه من باطن الأرض إلى خارجها كوم آخر. وقد وقفت على تلك الحقيقة عند زياراتي لحقل هجليج عندما كنت أقيِّم الأثر البيئي الذي يمكن أن يصاحب تدفق النفط. وبمثل ما عمل شبابنا في إعادة الحياة إلى شرايين النفط التي قام جنود الحاخام سيلفا - لا أراه الله «كيراً» بتدميرها فقد قاموا بكل الإجراءات الوقائية لتدفق النفط حتى لا يقتل الحياة في بيئتنا. وتلك ملحمة من ملاحم الجهاد العلمي المرموق وسآخذكم في رحلة أشبه برحلات الخيال العلمي في سلسلة من المقالات تُنشر تباعاً. إن الزيت عادة يكون مصحوباً بكمية مقدرة من الماء تتراوح أحياناً بين خمسة إلى عشرة أضعاف كمية الزيت في عمر أية بئر. ولكن نقول إن كل برميل زيت يستخرج يخرج معه برميل ماء. إن الماء المصاحب للنفط إذا لم يعالَج وتُرك ليتدفق فإنه سيتسبب حتماً في كوارث طبيعية يصعب تداركها. وقد لا يشكل ذلك هماً لبعض الحكومات ولبعض الشركات العاملة في مجال التنقيب ولكنه سيكون هاجساً لكل حكومة تهتم بقضايا البيئة وبالمجموعات السكانية من مواطنيها الذين يعيشون حول تلك الأماكن. وكان على حكومة السودان متمثلة في وزارة الطاقة أن تتخذ من التدابير ما يحفظ للبيئة مكوناتها ويحميها من مخاطر التلوث دون الإضرار بخطط التنمية الاقتصادية التي يأتي التنقيب عن الزيت في سلم أولوياتها. وما يصاحب الزيت من شوائب قد تكون ذائبة في الماء أو مترسبة فيه يمكن تلخيصه في عدة جوانب: - يحتوي الماء على نسبة من أملاح الكبريت وبعض المواد الصلبة التي يجب أن تزال حتى لا تؤدي إلى صدأ الأنابيب الناقلة أو إعاقة تدفق الزيت وانسيابه. ويوجد الماء والمواد الصلبة مختلطة بالزيت في شكل مادة لزجة والتقنية المتبعة في مثل هذه الحالات أن تضاف مواد كيميائية للنفط الذي يعرض لتيار كهربي وهذا الإجراء من شأنه أن يفصل الزيت عن الماء والمواد الصلبة ويغسل الزيت بالمزيد من الماء ليتم التأكد من خلوه تماماً من أي عالق. ويضخ الماء والمواد الصلبة إلى وحدة معالجة للماء ويتم فصل الزيت الذي ظل عالقاً بالماء وإرجاعه مرة أخرى لوحدة التجميع. - يعالج الكبريت وتتم عملية فصله من الزيت بواسطة غاز الهايدروجين وأملاح معدنية من عنصري الموليبدينام والكوبالت لتتم عملية التصفية لاحقاً ليكون جاهزاً للاستخدام كجازولين ووقود طائرات وديزيل. وفي بعض الأحيان تتم المعالجة بالصودا الكاوية لإزالة الكبريت وغسل المحلول بالماء وإزالة الماء والكبريت لتنقية المنتج. وأول مشكلة تقابل المخططين للتنقيب عن البترول إنه من طبيعة تلك المادة أن تكون موجودة فوق طبقة من الماء في حقول وبرك ممتدة داخل الأرض. وإن أول ما يواجه به أي نشاط تنقيبي هو كيف يمكن التخلص من الماء قبل المكونات الكيميائية الأخرى. كما إنه لا يمكن الحصول على النفط وترك الماء الملوث ينساب على الأرض محدثاً تلوثاً يصعب التكهن بمدى ما يُحدثه من أضرار بيئية عظيمة الأثر. وهناك موجهات عالمية تحدد إنه في الحالات القصوى لا يجوز أن يتدفق الماء مصحوباً بأكثر من عشرة أجزاء من النفط في مليون جزء. وقد تقدمت الصناعة بطرق مختلفة قليلة التكاليف يمكن أن تزيل بها النفط من الماء بمعدلات تقلل كمية النفط تقل عن عشرة أجزاء من المليون من الماء.. و هكذا يبقى الماء كأحد العناصر التي تتطلب عملاً مدروساً وذلك لكي لا تكون عائقاً للتنقيب من نواحٍ بيئية. فيجب استنباط وسائل مهمتها أن تعالج الماء ثم توجهه للاستخدام في مشروعات أقلها مراقبة تدفقه نظيفاً لأغراض الري والزراعة وتربية الأسماك. ووفقاً للموجهات البيئية والقانونية واستباقاً لكل ما يمكن أن يحدث طبقت الأساليب المناسبة في حقل هجليج مع الاحتفاظ بتطوير وتطبيق نفس المعالجة في أي حقول يستدعي التنقيب فيها مثل تلك المعالجة. وجد أن أسلوب معالجة الماء بما يُعرف بالمعالجة البيولوجية أو الحيوية Bioremediation يسخر الماء للاستخدام الأمثل ولزيادة الرقعة الزراعية والغابية والرعوية. إن المعالجة البيولوجية تعني استعمال الكائنات المجهرية كالبكتيريا والفطريات لتكسيرالعناصر المكونة للنفط وهذه لكي تعمل بكفاءة عالية تعتمد على نباتات معينة يمكن أن تكون مزارع لنمو البكتريا وتكاثرها. ومعنى ذلك أن المعالجة البيولوجية تعتمد على ظاهرة التحلل البيولوجي الذي يحدث تلقائياً لأي مواد عضوية ميتة أو متخثرة. إن وسيلة استخدام البكتريا طالت حتى المشتقات البترولية. فهناك ما بات يعرف بالبلاستيك المتحلل بيولوجياً Biodegradable Plastics وتدخل في تصنيعها مواد عضوية كعصارة الورق وأوراق الأشجار أو الجيلاتين أو المولاس وغيرها حتى تصبح قابلة للتحلل بواسطة الكائنات المحللة كالبكتريا والفطريات عندما تسقط على الأرض وبهذه الطريق تمت مكافحة أكياس البلاستيك والمخلفات البلاسيكية الأخرى وهناك أكثر من 200 من الشركات اليابانية المتخصصة في إنتاج ذلك النوع من البلاستيك المتحلل بيولوجياً BIOPLASTICS. وتجربة حقل هجليج تعتبر من التجارب الرائدة في هذا المجال. لقد وجدت الشركة أن أنجح الوسائل لتنقية المياه هي المعالجة البيولوجية ولذلك فهي تستخدم نبات البوص Phragmites australis للقيام بكل العمليات البيولوجية مما يسهل عملية التحلل البيولوجي. وهذا فتح الباب واسعاً لتجارب استخدام المعالجة النباتية Phytoremediation التي تعني استخدام النبات لامتصاص المواد الكيميائية الملوثة وتثبيتها إما في الجذور في شكل مركبات كيميائية غير ضارة أو تكسيرها لمواد عادية كثاني أكسيد الكربون والماء. إن المعالجة النباتية أثبتت جدواها في كثير من البلدان مثل الولاياتالمتحدة وإنجلترا واندونيسيا . وسنتطرق لها غداً بإذن الله.