عقب الرحيل المرّ، انتظمت الليالي التأبينية والمراثي لشاعر الوطن محمد الحسن سالم حميد واحتضنت ولايات السودان فعاليات التابين بمشاركة وتنسيق من اللجنة القومية لإحياء ذكرى الشاعر حميد حيث قامت اللجنة بإعداد برنامج شامل ومتكامل طاف عدداً من ولايات السودان للمشاركة بجانب مشاركة الجاليات من خارج البلاد ولقد قام عدد من أبناء الجاليات السودانية وأصدقاء الراحل بالخارج بإحياء لليالي تأبينه ومن هذه الدول المملكة العربية السعودية ودولة قطر وأمريكا وكندا وأستراليا. كانت مدينة كوستي ضربة البداية لليالي ومن ثمة أبناء نوري بالعاصمة المثلثة ومدينة عطبرة التي درس فيها المرحلة الوسطى كما شهدت أيضاً بعض أعماله التي خرجت للناس، وبجانب عطبرة قامت مدينة ألتي بإحياء ذكراه من داخل نادي النهضة ليكون مسك الختام في إستاد المريخ. من نوري!!! أمسية أبناء نوري حملت الكثير من الدلالات والمعاني فهي لم تكن أمسية عادية حيث أخذت حنين المكان ومعرفة الراحل بكل جوانبه فهم عشيرته وأهله الذين كتب عنهم في سودانه المصغر، فلحميد عشق خاص لنوري لذلك جاءت أمسية فوق العادة، جسّد فيها الأطفال مستقبل السودان الذي حلم به حميد، وقدم أطفال نوري عرضاً مميزًا كشف عن مدى العلاقة بين الراحل وأطفال بلاده وذلك من خلال الطريقة التي رددوا بها أعماله التي وجدت الاستحسان والقبول من الحاضرين ولم تخلُ الأمسية من مشاركة المسرحيين الذين قدموا مسرحية «رواكيب الفضل حرقت» وهي أيضا قصيدة الراحل حميد عكس فيها معاناة الناس الذين يسكنون في الرواكيب ويربط بينها وبين ثقافة لم يرد لها الشاعر أن تندثر فذكر فيها «الدلو» والبئر والبترك بتراب أراضي السادة المراغنة. الجمهور الكثيف الذي أمَّ تلك الليلة لم يكن جمهور نوري أو تشكل من أبنائها فقط، وإنما كان خليطاً من جميع أطياف الشعب السوداني على اختلاف قبائله ولهجاته ودياناته وثقافته من أهل الفن والسياسة والاجتماع والإعلام والصحافة فالكل حضر مبكراً إلى الميدان الشرقي لمسرح معرض الخرطوم الدولي. بدايات البرامج كان بختمة القرآن التي قدمها شباب حفظ لكتاب الله تعالى عقبها كلمة الخليفة عبد الله حاج نور الذي قال إن هذه الختمة قدمها شباب أطهار لم ينزلوا لهذه الدنيا إلا لحفظ القرآن وتلاوته سائلاً الله أن يجعلها صدقة لروح المرحوم يأكثر مما قدم لهذه البلد من أعمال قليلة. وتحدث الشاعر القدال رئيس اللجنة القومية لإحياء ذكرى حميد عند الفقيد وأفضاله وأعماله وحث الجميع على مواصلة ما بدأه من مشاريع خيرية وحفظ سيرته العطرة. وقال رفيق دربه وصديقه السر عثمان الطيب إن آخر رسالة بعث بها الراحل حميد كلمة «التحيات» أرسلها إلى إبراهيم محمد الحسن أحد أبناء نوري وذكر أنها شجرة في الجنة وأثنى على حميد وأضاف أن «عيوشة» قد تيتمت والغبش عمال السفن؛ كلات الموانئ ؛والغبش التعاني؛ وشفع العرب الفتارى- صحراء بيوضة وفيافي الكاب جبال كيجي إهرامات نوري وجروف الجريف كلها تفقد «حميد» وتبكيه. حميد... أيادي بيضاء مدينة «ألتي» التي تحتفظ بالكثير للراحل من ووفاء لا قدمه لهذه المدينة من أعمال اجتماعية وخيرية كانت أيضاً حاضرة في موسم الحزن حيث وقعت على دفتر الرحيل وفي أمسية شارك فيها عدد كبير من أبناء المنطقة بجانب الدكتور مضوي الترابي والفنان ميرغني النجار والفنان عبدالله عز الدين والفنان علاء الدين سنهوري واللجنة الشعبية بالمسيد وعدد من القرى المجاورة لألتي وقد خاطب الأمسية من دولة الإماراتالمتحدة الشاعر محمد بادي. واستهلت الأمسية بكلمة أهل ألتي وتلاها أستاذ عدلي بابكر وتناول سيرة الراحل حميد وزياراته المتكررة لألتي وحب أهل ألتي له وحبه لهم وبساطته في التعامل مع الناس، وتوالت الكلمات من المشاركين في حفل التأبين وكلهم أعطى الشاعر الفقيد حقه وتم ألقاء بعض قصائده وبعض القصائد في رثائه بجانب تقديم بعض الأعمال الغنائية التي قام الشاعر بكتابتها. وذكر الشاعر محمد طه القدال أن لحميد علاقة خاصة مع مدينة ألتي معددًا مآثره حيث تحدث القدال عن الجوانب الاجتماعية والخيرية التي كان يقوم بها حميد. ولم تكن منطقة الزومة بمحلية مروي بمعزل عن الفعاليات حيث نظم أبناء منطقة الزومة بالخرطوم ليلة بالتعاون مع اللجنة القومية لإحياء ذكرى الشاعر حميد، وقدم فيها أبناء المنطقة شهادات خاصة عن الراحل بجانب العلاقة التي تربطه بمنطقة الزومة وإنسانها الذي يجد كل الاحترام والتقدير عند حميد فتجده دائماً في أفراحها وأحزانها حاضرًا. إستاد المريخ.. كله العام جاء!! في أمسية كان فيها القمر حضورًا باكتماله في سماوات الحزن امتلاء إستاد المريخ بالحضور الذي تدافع من كل فج عميق جاءوا ليشاركوا في أربعينية الشاعر وختام فعاليات إحياء الذكرى، ولقد خرجت الأمسية من نمطية البرتكولات والكلمات وأطلق العنان لمحاولة إنتاج أعماله بشكل غير ما هو عليه حيث استطاع الشاعر خطّاب أن يقدم قصيدة «عم عبد الرحيم» من خلال عمل مسرحي بمشاركة الفنان شمت محمد نور وأداء المسرحي عبد الله صوصل، كما شارك الفنان أبوبكر سيد أحمد بقصيدة «وطني وكفي» التي قام بوضع ألحانها وتأليفها الموسيقي. منجد يبهر الحضور!! أيضاً.. كان الأطفال حضورا وهم يقومون بإلقاء قصائده من خلال عرض مسرحي، وفي فقرة خاصة شارك الطفل منجد معاوية القادم من ولاية الجزيرة بقراءة قصيدة «الضو وجهجة التساب» بأسلوب الشاعر حيث استطاع منجد أن يقلد الراحل من خلال طريقة أدائه وأسلوبه المتعارف عليه مما وجد القبول والرضى. مناشده!! ناشدت اللجنة القومية لإحياء ذكرى الراحل جميع الحضور بتسليم وجمع أعمال الشاعر من صور وأعمال مكتوبة ومقرؤه ومسموعة وكشفت اللجنة عن إنشائها موقعاً إلكترونياً على الشبكة العنكبوتية وذلك لجمع أعماله توطئة لأرشفتها وإخراجها في موسوعة كاملة. خروج!! ويبقى السؤال قائماً ثم ماذا بعد الذكرى والكل يعقد الأمل ويتمنى أن لا تكون هذه الفعاليات عبارة عن حدث عابر يأتي في توقيته ومن ثم يتلاشى وكي لا يكون رحيله كغيره من الأعلام التي سقطت ونسيها الناس. وخشية من أن يضيع مشروع الراحل حميد وتذهب أعماله مع ذهاب الحزن، لذا نضم صوتنا مع اللجنة لضرورة جمع أعماله خاصة وأن هناك أعمالاً كثيرة لم تر النور بعد وهي متناثرة عند الكثير من أصدقائه ومعارفه.