أفرزت الانتخابات الرئاسية في مصر إفرازات غريبة ما كانت متوقعة. وأدخلت الثورة المصرية بين طريقين لا ثالث لهما. إما إنقاذ الثورة بمن فجروها واصطلوا بنارها وسجنوا من أجلها وهم يبغون بناء مؤسسات الدولة على الديمقراطية التي تقتضي إعادة هيكلة الدولة والتأسيس لمبدأ التكامل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية أو الفشل والجمود والعودة الى المربع الأول وتمكين فلول النظام البائد الفاسد مرة أخرى على رقاب المصريين الذين عاشوا في ظل حكم العسكر ستين عامًا حسومًا كلها سنوات عجاف. الصراع بات واضحًا وتمايزت الصفوف وانحصر التنافس بين تيارين متنافسين تيار اسلامي بكل أطيافه وأحزابه وتيار علماني لا ديني بكل أحزابه وتكتلاته ونخبه النافذة. الدكتور محمد مرسي مرشح التيار الإسلامي سيخوض الجولة الثانية ضد مرشح نظام حسني مبارك وأحد أكبر رموز ذلك النظام حيث كان ضابطًا عظيمًا في القوات المسلحة ثم كان آخر رئيس وزراء مبارك وقائد موقعة الجمل. مصر تعيش حالة استقطاب حاد بين القوى الإسلامية الملتزمة بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة ونظام حكم وخلقًا وسلوكًا وبين القوى المعادية للإسلام ممن صُنعوا على أعين الغرب وفعل التغريب الكامل في عقولهم الأفاعيل. القوى الإسلامية هي التي تزعمت المعارضة الحقيقية منذ أن جثم العسكر على صدور المصريين كبتًا وإرهابًا وطغيانًا فدفع الإسلاميون الخلص الثمن غاليًا في سجون الطاغية عبد الناصر الذي تسلم مصر وهي تصدر القمح وسلمها لخلفه السادات وثلث مساحة مصر محتلة بقوات اليهود وأكثر من خمسين ألف جندي سوفيتي موجود في قناة السويس وصارت مصر تستورد القمح والغذاء والكساء والدواء من الأعداء وجاء السادات فاستسلم لليهود وانفتح على الغرب وسلم مفاتيح القضية الفلسطينية لأمريكا بزعم أن 99% من الأمر في يدها ودفع الإسلاميون أيضًا الثمن في سجون السادات ثم جاء مبارك بطغيانه واستبداده وأذاق القوى الإسلامية صنوف العذاب في سجونه وارتمى في أحضان إسرائيل وأمريكا فأورد قومه موارد الهلاك والضياع فبئس الورد المورود. القوى العلمانية وبعض رجال الأعمال والعسكريين السابقين والإعلاميين وبعض الرموز من المتطرفين المسيحيين التي تناصب الإسلام وأهله العداء تمتعت بالشرعية الزائفة وجنت كل الثمار الرخيصة في حظيرة النظام العسكري المستبد وعندما فجرت القوى الإسلامية الثورة ضد نظام مبارك وقدموا الشهداء وحموا الثوار فترة تجمعهم في ميدان التحرير وأنقذوهم من بطش البلطجية في موقعة الجمل حيث كان شفيق رئيسًا للوزراء وحاولت هذه القوى العلمانية التي تتكون من الشيوعيين والليبراليين اللادينيين والناصريين والوفديين ومعهم ومنهم رموز فلول النظام الساقط حاول هؤلاء سرقة الثورة كعادتهم في كل زمان ومكان لا سيما لو كانت هناك غفلة من القوى الإسلامية التي تتألف في مصر اليوم من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية: الإخوان المسلمون وحزب النور والسلفيين والجماعة الإسلامية وأنصار السنة والأصالة والوسط والبلاغ والصوفيين والإسلاميين المستقلين . مرشح التيار الإسلامي د. محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة أستاذ الهندسة في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة وفي مصر وكان معارضًا نشطًا لنظام مبارك في انتخابات مجلس الشعب وكان رئيسًا للكتلة البرلمانية الإخوانية حيث قاد نضالاً دستوريًا بمجلس الشعب وشارك في تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير مع د. عزيز صدقي عام 2004 ومع د. البرادعي عام 2010 وسجن في سجون مبارك لنشاطه وحركته الداعية للتغيير وكان اخر اعتقال له مع العديد من قيادات الإخوان ليلة الخميس 27 يناير 2011 وهي ليلة الغضب ومما يدل على انفتاحه على كل القوى الوطنية المناهضة للديكتاتورية مشاركته في تأسيس «التحالف الديمقراطي» الذي يضم عدة أحزاب وحركات سياسية. الآلة الإعلامية الرهيبة التي ما زالت القوى المعادية للإسلام تمتلكها من صحف واسعة الانتشار والقنوات الفضائية هذه الآلة الإعلامية الرهيبة تقود حربًا شعواء لتشويه صورة الأحزاب والجماعات والشخصيات الإسلامية واتسعت دائرة التشويه للإسلام نفسه وإثارة الخوف في قلوب الناس من الإسلام كدين وشريعة. لاحظنا هذه الحملة الشرسة في مقالات الصحف وبرامج الحوارات التلفازية وتقارير المراسلين حيث تركز هذه الحملة على التخويف من «أفغنة» مصر وتحويلها الى قندهار!!! د. محمد مرسي مرشح التيار الإسلامي له مشروع نهضوي واضح كل الوضوح وهذا المشروع مشروع إعادة بناء مصر التي دمرها الحكام السابقون ومن أهم أهداف المشروع التأكيد على مبدأ المشاركة لا المغالبة في تشكيل حكومة ائتلافية واسعة ممثلة للقوى السياسية الفاعلة في المجتمع المصري مما يمكن الجميع المشاركة في بناء مستقبل واعد دون إقصاء أي طرف مع تفعيل دور الشباب في المشاركة. كما يهدف المشروع لتقوية وتمكين المجتمع المدني ومؤسساته المختلفة لتأمين الديمقراطية والحفاظ على الحيوية الشعبية من خلال اعتماد القضاء المستقل كمرجعية ضابطة لهذا القطاع. الجماعات الإسلامية كلها من إخوان وسلفيين باختلاف مدارسهم وجماعة التبليغ وكل من له حس إسلامي يقفون خلف المرشح الإسلامي في وجه المرشح العلماني اللاديني الممثل للنظام السابق. وحددت الهيئة الشرعية والجماعات الإسلامية أسباب وقوفها مع د. مرسي في ستة عشر بندًا أهمها وأولها أن مرسي لم يسع للرئاسة والإمامة ولم يطلبها إنما كُلِّف تكليفًا وهو كاره لها. ثانيًا : اختيار مرسي سيجعل هناك توافقًا بين السلطتين «التشريعية» والسلطة التنفيذية «الرئيس» وهذا متوافق مع كل النظم الديمقراطية في العالم. ثالثًا : د. مرسي لديه جماعة على درجة عالية من السمع والطاعة والجندية والرئيس الذي لديه مؤسسة تسانده وحزب قوي يدعمه أفضل من غيره. رابعًا : أجاب مرسي على بعض التخوفات مثل: هل عندما تصبح رئيسًا ستعين الإخوان في كل المناصب حولك؟ فأجاب بوضوح: هذا المشروع لا تستطيع جماعة الإخوان ان تحمله وحدها ثم إن فترة الرئاسة «4» سنوات فقط ولواستأثرنا بالأمر وأقصينا الآخرين فلن ينتخبنا الشعب مرة أخرى، ثم سئل هل ولاؤك سيكون للإخوان والمرشد فأجاب: أنا رئيس كل المصريين ولن أتلقى تعليماتي من الحزب ولا من مكتب الإرشاد، وقال: سأشكل هيئة لأهل الحل والعقد من كل الجماعات والقوى الإسلامية. مرشح فلول النظام السابق لا برنامج له وتؤيده أمريكا وإسرائيل وعملاؤهم فهل ينحاز الشعب المصري لثورته أم للطغيان مرة أخرى؟