ما إن انفجرت الأوضاع فى ولاية النيل الأزرق يوم الخميس الماضي إلا وتساءل الناس عن المكان الذى لجأ إليه والي الولاية ورئيس الحركة الشعبية مالك عقار، وكانت الكرمك هي الملاذ والتي هي أقرب لقرية كبيرة رغم أنها من أغنى مدن السودان بالذهب وغيره من المعادن، وتقع في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان على الحدود مع إثيوبيا ولا يفصلها عنها سوى خور صغير طوله عشرون مترًا، فقط بل إن الزمن بين الكرمك السودانية والإثيوبية «7» دقائق فقط بالدراجة، وقد دارت في تلك المنطقة معارك طويلة بين القوات المسلحة والجيش الشعبى بقيادة جون قرنق وفي الفترة الحزبية الثالثة وتحديدًا في أواخر العام 1986 كانت جيوش الحركة الشعبية تحتل الكرمك وقيسان جنوب النيل الأزرق، ولم يطل بها المقام كثيرًا في تلكم المدينتين، وتكرر نفس السيناريو في العام 1997م وأيضًا لم يدم بقاؤهم كثيرًا وسيطرت القوات المسلحة على الولاية بأكملها، ولكن يبدو أن ابن الأنقسنا الفريق مالك عقار كان يخطط منذ ذلك الوقت لأن تصبح النيل الأزرق تحت قبضته فعمل جاهدًا لذلك بعد اتفاق نيفاشا وتوليه منصب الوالي في بحر أزرق على السيطرة عليها، وعلى الرغم من أن ألكرمك التي تبعد عن عاصمة الولاية الدمازين أقل من180 كيلو مترًا ولكن جل النازحين من المدينة اتجهوا صوب إثيوبيا بعد احتلالها من الحركة الشعبية وليس عاصمتهم باعتبار قرب الحدود، وتعاني المدينة من التردي في خدماتها مما جعل عقار يعلن تحويل العاصمة من الدمازين للكرمك بحجة إعمارها ولكن بعض المراقبين كانوا يرون أن الأمر له ما بعده من قبل الحركة التي تفكر في تحويل الولاية إلى جنوب آخر، فيما يرى آخرون أنه بسبب العديد من المجموعات العرقية التي تعيش في الكرمك وحولها، وكثير منهم يشعرون بأنهم مهمشون من قبل المركز، كانت المدينة معقل حركة التمرد ضد النظام الإسلامي في عام 1983، وربما أراد عقار عودة هذا المفهوم مرة أخرى لتنفيذ مخططه حيث كان يخطط إلى تطبيق الحكم الذاتي في الولاية والذي رفضه الكثير من قيادات المنطقة ومواطنيها، وحاول عقار استمالة أعداد كبيرة من سكان المحلية حتى يشكلوا درعًا واقيًا له وحمايته خاصة وأن الجيش الشعبي الموجود في الولاية معظمه من أبناء الأنقسنا أهله وكان لسيطرة الجيش الشعبي دور كبير في الانتخابات الأخيرة حيث حاز مالك عقار على 31365 صوتًا في الكرمك مقابل 4276 لمرشح الوطني فرح العقار، وكانت الكرمك هي الكفة التي رجحت فوز الحركة بمنصب الوالي على الرغم من الشكاوى والاعتراضات التي صاحبت ذاك الفوز حيث رأت مصادر مطلعة أن فوز الحركة بأصوات الكرمك جاء بطرق غير مشروعة حيث أظهرت النتائج عدم وجود تالف في الأصوات رغم ارتفاع مستوى الأمية في المحلية، فيما يرى آخرون أن تحويل عاصمة الولاية للكرمك ماهو إلا تخطيط محكم لما حدث في الدمازين الأسبوع الماضي، وقالوا إن وجود مالك عقار في الكرمك لحظة اندلاع الأحداث لا يعني أن يده خارج هذه اللعبة وإنما هو تخطيط منه بعد أن جهز الكرمك حتى يكون قريبًا من الجنوب، وتحقيق مقولة قرنق لأبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان عقب التوقيع على اتفاق نيفاشا «جبنا ليكم جنى صغير ممكن تربو» ويقصد بذلك الاتفاق على المشورة الشعبية ولكن أبناء الحركة في الولايتين لم يصبروا على المشورة وإنما بادروا بالحرب التي لم يربحوها. وتسكن الكرمك قبائل الدولا وهي قبيلة رئيس الوطني السابق بالنيل الأزرق د.فرح العقار وقبيلة أدوك وبيرتا، وتنام المحلية وتصحو على حضن «جبل الكرمك العاتي» ومساكن الناس هناك عبارة عن «قطاطي» صغيرة موضوعة بصورة غير مرتبة، والحياة بسيطة، يعمل الناس على الزراعة في الخريف، وفي الصيف ينام معظمهم ويظل يعتمد على حصاد ما جناه في الخريف.