الإنسان السوداني هو كالسحاب أينما هطل نفع يرسم بسيرته الطيبة وبأخلاقه وقيمه نهجاً للحياة وطريقاً للخير وللعلم وهنا في الغربة عناوين كبيرة وبارزة لشخصيات سودانية قيّمة استطاعت أن تمنح شرف الانتماء «للعمامة» وللزول السوداني. قلت لصديقي نحن من كرم الله علينا أن جئنا من تلك الديار «عرب ممزوجة بي دم الزنوج الحارة» من تلك الديار ذات الشمس الحارة الحارقة والنفوس الأبية العزيزة والشهامة والرجولة. أمس ذهبنا تلبية لدعوة من أحد الإخوة العاملين معنا في السفارة القطرية في المنامة لزواج ابن أخيه، وكنا نلبس العمامة والجلابية، ونحن في الطريق نبحث عن المنزل استوقفنا أحد الإخوة وسألنا «يا زول» هل تبحثون عن مناسبة؟ قلنا له نعم، قال لنا سأوصلك «يا زول» وأخذ سيارته وسار بنا إلى مكان المناسبة، وهناك عندما نزلنا كان الاستقبال من الجميع حاراً والكل ينظر إليك ويبتسم والكثير منهم يأتي إليك ليسلم عليك ويتحدث لك عن طيبة السوداني وكرمه وأخلاقه وبعضٌ منهم يتطاول فخرًا بأن له أصدقاء سودانيين ويذكر لك أسماءهم فإذا قلت له نعم أعرفهم يقول لك «هذا صديقي» «إنسان حبوب وريال زين» وأن تكون سودانيًا كامل الدسم خيرٌ لك من أن تكون شيئًا آخر.. إنسان مميز بطبعك وبعفويتك وبأخلاقك وبمواقفك وبعلمك وقد لا تشعر بهذا الانتماء العظيم إلا عندما تخرج من السودان. واستغربت ما كتبه الزميل هاشم عبد الفتاح في عموده «شجون الغربة» عن أن السوداني يتأثر أكثر من أن يؤثر في المجتمع الذي حوله، وإن كان هذا الحديث فيه جزء من الحقيقة ولكنه لا يمثل كل الحقيقة، والحقيقة التي تتمثل في حديث الأخ هاشم هو تأثُّر الأبناء بتلك البيئة لأنها أصبحت تمثل لهم بيئتهم التي يعيشون فيها وأصدقاءهم هم من تلك الديار ومن الطبيعي أن يتأثر الإنسان بالبيئة التي حوله خاصة إذا كان فرداً في وسط مجاميع من البشر كلٌّ يتحدث بلغته ويحاول أن يفرض ثقافته عليك، ففي الغربة حرب للثقافات وحرب للعادات والتقاليد تجد نفسك أنت تقاتل فيها بسلاح قد لا يعرفه الجميع خاصة أن اسم وطبيعة السوداني مجهولة للكثيرين وبعضهم لا يعرف هل السودان في إفريقيا أم في كوكب آخر .«ولنا عودة».