وأعجب منه أن تدري أترك هذه المساحة للأخ المهندس مرتضى مصطفى دعوب الذي وصف في لغة ثاقبة مؤثرة أن الهموم قد تعددت على الجسد السوداني فشخصها قائلاً: «السلام عليكم أخا الإسلام دين الإنسانية.. لقد كتبت مقالاً يوم أمس لأحد المنتديات وفوجئت عند قراءتى لمقالكم الرائع اليوم بأن هناك من يتفق معي بالكامل على أن معظمنا غير مبالٍ ويستكثر على نفسه الخير الذى أراده له الله. فإلى المقال الذي نهديه لسيادتكم فأنتم من القلة الذين لا يمرون مرّ الكرام على الأحداث التى نعيشها كل يوم ثم ننصرف عنها ونحن ذاهلون. أخي د. محمد.. ماذا اقول لك؟ فأنا والحمد لله شعرت عبر كتاباتك الرائعة بعمق الماساة.. مأساة الإعراض عن منهج الله الذى يهدف لتحقيق معنى إنسانية الإنسان المستخلف فى الارض. وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير، إنه هو السميع المجيب. وفى بلادي الجميلة يعجز المظلومون والمهمشون عن التعبير، وتذوب صرخاتهم فى لجج الأثير لتتناقلها طبقات الميزوسفير والتروبوسفير.. وصناعة الألم يبرز لها متخصصون حائزون على درجات علمية عالية ومقامات اجتماعية سامية ويتمخض الجبل فيلد فأراً.. دعوهم يخرجوا البخار الساخن المتراكم.. فهم أقل من أن يعلموا! وأقل من أن يفهموا.. وأزمتنا الحقيقية تكمن فى أننا أصبحنا ننكر استحقاقنا للخير والحق والجمال.. وجعلنا ذلك فى قناعاتنا أمراً مرضياً. وفي أحد الحوانيت المتناثرة فى المدينة قلت للبائع: هناك حليب وزبادي مستنفد الصلاحية. قال لى ببساطة: حتى لو قمت بإعادته للشركة المنتجة فستقوم بإعادة تدويره ليباع مرة أخرى فى شكل «مش» أو جبن ! فلا تتعب نفسك لأن حالنا لا يمكن أن ينصلح!! وأيقنت حينها أن محدثي لا يريد أن يعلم فقد أصم أذنيه واستغشى ثيابه وأغلق عقله بالضبة والمفتاح. وفى الطريق إلى قريتى وجدت أحد المراهقين يقود ركشة ولا يحمل رخصة قيادة وليس لركشته المزركشة أي رقم تسجيل مروري.. وجدته يقودها فى بهلوانية وسط الطريق، فقلت له: ماذا لو اصطدمت بأحد المارة؟ فقال لي فى أريحية ممزوجة بأنغام التم تم الذي يتعالى من سماعته السوبر ووفر: أنا متوكل على الله ....ح أزوغ يا خال ! ولن يستطيع أحد التعرف على الجاني! فقلت له: وكيف ستفلت من عقاب الآخرة؟ فقال لى: عقاب الآخرة ده بعدين.. وربنا غفور رحيم... وأنا أعول أسرة فيها طالبات في الجامعة وأب مقعد وأم مريضة بالسرطان، وأنت تقول لى حقوق وتنظيم وحضارة ويوم قيامة!! وأيقنت أن محدثى لا يريد أن يعلم.. وأمام كاونتر البنك الراقى يقف أحدهم ويطلب من الموظف تجديد بطاقة الصراف الآلى الإلكترونية، فيجيبه الموظف بابتسامة مشجعة: لا توجد كروت حالياً.. تعال لينا بعد شهرين!! ويسأل الزبون فى حيرة: وماذا لو لم تستخرجوا لى بطاقتى بعد شهرين؟ فيجيبه الموظف بابتسامة أكثر اتساعاً: بسيطة يا أخي تجى بعد شهرين تاني.. كلها أربعة شهور بالكثير.. وين المشكلة؟ ثم يردف معلناً انتهاء المقابلة: يا أخي القصة دايرة صبر!! الزبون التالى من فضلك ... ومحدثى وقته ثمين ولا يريد أن يفهم ! ويتطلب الأمر الذهاب للبنك «فقط الفرع الذي تم فيه فتح الحساب» كل مرة واستلام المال من الصراف مباشرة أو إصدار شيكات تصرف فى بنوك اخرى برسوم عشرة جنيهات على كل شيك يصرف فى فرع آخر. وينبرى أحد الظرفاء ذوي المراكز المرموقة ليبشر أمهات التلاميذ الفقراء بأن هذا العام سيكون بدون وجبة فطور وبدون حقائب مدرسية جديدة وبنفس الملابس المهترئة.. ولازم نصبر يا جماعة عشان الامريكان ديل ضاغطين علينا شديد. وفى سوق الخضار تتجمع كل خيوط المأساة.. الغلاء، المسغبة، النفايات، الكلاب الضالة والقطط الجائعة، والنفوس التى أرهقها الألم، ثم الصبر. ونحن لا نريد أن نفهم أننا نستحق بعض الخير .. وأبواب السماء مفتوحة ليلاً ونهاراً.. ليس عليها حُجُب ولا حُراس. أخوكم: مهندس مرتضى مصطفى دعوب متخصص في هندسة السلامة المهنية والصناعية أشكرك يا أخي مصطفى.. إن الوعي بالمشكلة مرحلة متقدمة في طرائق حلها. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.