احتضنت استراحة القرية الخضراء في مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية يوم أمس الأول الاحتفالية الوطنية الكبرى التي أقامتها اللجنة القومية لتكريم رموز الوطن في المنطقة الشرقية في حفل تأبين لثلاثة من رجال الوطن الذين انتقلوا إلى الرفيق الأعلى وهم فنان إفريقيا الأول الأستاذ محمد عثمان وردي والمناضل محمد إبراهيم نقد والشاعر الفحل محمد الحسن سالم حميد، وقد اكتظت صالة القرية الخضراء بجموع الحاضرين رجالاً ونساء شيبًا وشبابًا وأطفالاً جاءوا من كل حدب وصوب ليشاركوا في تأبين هؤلاء الرموز الكبار وكان هنالك حضور شرفي من مدينة الرياض، واشتملت الاحتفالية على عدد من الفقرات المتنوعة التي شدت انتباه الحاضرين حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.. وكانت ضربة البداية الوقوف دقيقة حدادًا على شهداء الوطن ومن ثم قام الحاضرون بجولة حرة على معرض الكتاب الذي أُقيم على جنبات الصالة حيث قام الحاضريون بتصفح أرفف العرض التي كان من بينها عدد من الكتب للثلاثي الراحل وردي ونقد والشاعر حميد وقد تبارى الحاضرون في اقتناء محتويات العرض من الكتب القيمة في جزئية رائعة تؤكد مدى شغف الإنسان السوداني بالقراءة والاطّلاع، ومن ثم افتُتحت الليلة بآيات من الذكر الحكيم للشيخ بابكر الذي تلا على مسامع الحضور آيات مباركات من كتاب الله الكريم.. ليعتلي المنصة الأستاذ أحمد الأحمر مقرر اللجنة القومية حيث ارتجل كلمة ضافية باسم اللجنة القومية رحب من خلالها بكل من تكبد مشاق الحضور وتحدث في إسهاب عن مآثر الراحلين الثلاثة، وقال إن التكريم يعني أن الثلاثي الراحل كانت لهم إسهامات ثرة في خارطة الوطن كلٌّ في مجال تخصصه، وقال إن وردي كان رمزًا وطنيًا شامخًا غنى للوطن والمحبوبة والنيل والجروف ونال لقب فنان إفريقيا الأول بلا منازع.. وعن الشاعر محمد الحسن حميد قال الأحمي إنه كان شاعرًا فحلاً ترنم بشعره فملأت شهرتُه الآفاق وكان نصيرًا للحزانى والمقهورين حتى سمِّي بشاعر الغلابى، وعن المفكر الوطني محمد إبراهيم نقد أشار الأحمر إلى أنه كان صاحب صوت عالٍ لم يعرف للخصومة طريقًا وكان سمحًا جوادًا كريمًا عُرف بعطفه ورعايته للأيتام والأرامل ولم يعرف السب أو الشتم مع من يخالفونه الرأي وكان عفًا لا يبحث عن جاه أو سلطة بدليل أنه لم يسعَ أو يتقلد أي منصب سياسي في حياته فكان السودان هو همه الأكبر وتميز بأنه لم يعارض أي نظام من خارج السودان بل كان يقف بشجاعة الرجال في خندق الوطن وفي ثنايا الوطن. وقدم الأحمر الشكر والعرفان لأعضاء اللجنة القومية للتكريم لجهودهم المبذولة واقتطاعهم لجزء كبير من وقتهم وأموالهم لكي يؤدوا الدور المنوط بهم وهم يتصدَّون لمثل هذا العمل الوطني الكبير، وأشاد بالتعاون الوثيق الذي يجدونه من قادة الجالية السودانية الذين كان لهم القدح المعلى في إنجاح فعاليات هذا الحفل التكريمي، كما قدم الشكر لرجال الإعلام والقنوات الفضائية، وكذلك الإخوة في الفعاليات الرياضية المختلفة في المنطقة الشرقية. وتوالت الكلمات التأبينية من نجوم المجتمع السوداني الشرقاوي حيث تحدث ممثل الوطني الاتحادي الأصل الأستاذ عباس عمر الذي القى كلمة ضافية كانت امتدادًا لكلمة الأستاذ أحمد الأحمر حيث عدد مآثر الراحلين واستشهد بعدد من المواقف البطولية لهؤلاء الرجال والتي تؤكد أصالة معدنهم ونقاء سريرتهم وعمق الوطنية التي يتحلون بها، وقد قوطعت كلمته بالتصفيق في أكثر من مرة. وتحدث ممثل الجالية السودانية مولانا النديفي حيث جاء تركيزه في كلمته الضافية على أن الوطن قد افتقد هؤلاء الرجال في المنعطف الأهم من تاريخه وهو أشد ما يكون محتاجًا إليهم لدفع المخاطر والإحن عن معقله بفكرهم ونضالهم وصدق الكلمة والإبداع في شتى مناحي الحياة، ولكننا سنتمسك بالتعاليم والإرث الذي خلفوه لنقتدي بهديه ونحن نتصدى لكل نائبات الزمان التي تحدق بالسودان الوطن الواحد.. ومن ثم تحدث الأستاذ عبد الحليم حران في تأبين الشاعر حميد حيث أكد أن الرجل كان عصاميًا جوادًا كريمًا وكان ينفق ما في الجيب لينتظر ما في الغيب، وشدَّد على أنه قد أعطى سائلاً قوت عياله «3» جوالات من التمر ليقضي به حاجته وقعد خاويًا وأشار إلى أنه بعد عودته من السعودية كان قد عمل مع أحد رجال المال والأعمال ولكن الأمر لم يروق له فقفل راجعًا إلى موطنه الصغير ليمضي حياته بين الجروف والسواقي.. وقدم الأستاذ محمد حسن خيري قراءة شعرية لشعر الشاعر حميد . وقدم نصار الحاج وعوض العمدة فاصلاً من أشعار الراحل محمد الحسن حميد حيث استعرضا عددًا من الأعمال الجليلة للشاعر محمد الحسن حميد من ديوانه «مصابيح السما الثامنة» واستعرضا عددًا من القصائد المنتقاة كان من بينها. القصيدة التي تقول: ياجايي مارق من دخول الغيث شرايين التراب السايقة أوردة الوطن... قشرة اليباب كلما سرت قطرات الرحمة في جوفو.. أرتعش.. بال الشدر حال العصافير الخياله مع الدغش.. مشدودة.. متل.. خاطر طفل.. من ضل ضهر راكوبه.. فوق حافة حجر. ومن ثم شدا الفنان الملهم سيف الدين نورين بعدد من الروائع الخالدات للفنان الخالد محمد وردي حيث ترنم بنور العين أعظم الدرر التي تغنى بها أستاذ الأجيال محمد وردي وهي الدرة التي أحالت سكون الصالة إلى حراك واسع لم يهدأ إلا بعد نهاية تلك الأغنية ومن ثم ردد الطير المهاجر ويا بلدي يا حبوب والقمر بوبا وغيرها من الروائع الخالدات، وتبعه الفنان عبد المنعم القضارف الذي ترنم بروائع أخرى من أعمال الفنان الكبير محمد وردي وجدت تجاوبًا رائعً من كل الحاضرين. وتلاهما الشاعر المرهف محمد مدني صاحب رائعة عقد الجلاد «أجتاج دوزنه» الذي حيث إلقاء شعريًا من قصائد الشاعر محمد الحسن حميد. وقدم العازف الماهر الأستاذ لؤي شمت عزفًا موسيقيًا منفردًا لأغنيات الفنان وردي تجاوب معها الحاضرون كثيرًا.. وقدمت الشاعرة علوية أحمد إبراهيم قصيدة في حب الوطن دعت من خلالها للوحدة والتعاضد والتكاتف ونبذ الخلافات والتوحد في حضن الوطن. واختتمت الليلة التأبينية الكبيرة بأداء جماعي للكورال المكون من الفنانين ولفيف من الحاضرين حيث تغنوا بصورة جماعية للوطن في عدد من الأغنيات الوطنية وكانت ملحمة أكتوبر الأخضر للمبدع محمد الأمين هي سيدة الموقف حيث رددها الجميع بتناغم تام وصورة جماعية فيها الكثير من الألق والإبداع اللانهائي لينفضّ السامر في ليلة التأبين التي أكدت عمق الوفاء لأهل العطاء.